سلايدرسوق المال

الاقتصاد أمام مفترق طرق في العام الجديد

التوقعات والفرص في مواجهة التحديات..

في عام 2024، مر الاقتصاد المصري بعدد من التحديات والفرص التي شكلت ملامح مستقبله، من تحرير سعر الصرف إلى صفقة رأس الحكمة، بجانب تقدم المحادثات مع صندوق النقد الدولي. أسهمت هذه الخطوات في تخفيف الأعباء التي ألقت بظلالها على الاقتصاد في السنوات السابقة. مع ذلك، فإن بداية عام 2025 تضع الاقتصاد أمام مفترق طرق حاسم، حيث يتعين على البلاد الموازنة بين مواجهة التحديات المستمرة والسعي لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

من المتوقع أن يظل سعر الجنيه مقابل الدولار أحد أبرز التحديات الاقتصادية في العام الجديد، إذ يتوقع المحللون استمرار تراجع الجنيه وإن كان بوتيرة أقل. في الوقت الذي سجل فيه الدولار في أواخر 2024 حوالي 51 جنيهاً، تشير التوقعات إلى أن السعر قد يرتفع ليصل إلى 54 جنيهاً بحلول نهاية 2025، مع استمرار الضغوط التي تسببت في تراجع الجنيه في العامين الماضيين.

وشهدت مصر منذ منتصف عام 2023 حتى بداية 2024 موجة تضخمية كبيرة أثرت على العديد من جوانب الحياة الاقتصادية، بما في ذلك الأسعار اليومية للسلع الأساسية. ورغم التراجع الطفيف في معدل التضخم في نهاية 2024، فإن التضخم لا يزال يشكل عبئًا على الاقتصاد. ففي نوفمبر 2024، سجل معدل التضخم في مصر 25.5%، وهو أدنى مستوى له منذ عامين، ولكن لا يزال هذا الرقم بعيدًا عن المستويات المثالية.

وتشير التوقعات إلى أن التضخم سيظل يتراجع بشكل تدريجي في 2025، ولكن بمعدلات متفاوتة حسب المؤسسات الاقتصادية. على سبيل المثال، يتوقع بنك الكويت الوطني أن يتراوح معدل التضخم بين 13 و15% في العام 2025، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 17% بنهاية العام، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بمعدلات التضخم العالية في 2024.

ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية، اتخذ البنك المركزي المصري إجراءات حاسمة لرفع أسعار الفائدة بهدف مكافحة التضخم. ومع أن هذه السياسة كانت ضرورية للحد من الضغوط التضخمية، إلا أنها كانت لها آثار جانبية على الاقتصاد، بما في ذلك زيادة تكلفة الاقتراض على الأفراد والشركات. في 2025، ستظل أسعار الفائدة المرتفعة أحد العوامل المؤثرة في النشاط الاقتصادي، حيث تؤثر بشكل مباشر على استثمارات القطاع الخاص وقدرة الأفراد على الحصول على قروض بأسعار معقولة.

في الوقت ذاته، يتعين على البنك المركزي أن يوازن بين تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم وتجنب التأثيرات السلبية على النمو الاقتصادي. فزيادة أسعار الفائدة بشكل مفرط قد تؤدي إلى تباطؤ في الاقتصاد، بينما في حال عدم اتخاذ إجراءات كافية، قد يواجه التضخم صعوبة في الانخفاض إلى المعدلات المستهدفة.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه الاقتصاد، هناك آمال في تحقيق نمو إيجابي خلال العام 2025. وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد المصري نموًا قدره 4.2% خلال العام المالي 2024-2025، في ظل تنفيذ الحكومة للإصلاحات الاقتصادية وتنفيذ مشروعات بنية تحتية ضخمة. على المدى المتوسط، يتوقع الخبراء أن يتسارع النمو ليصل إلى 5% بحلول عام 2026، إذا ما تحسنت الأوضاع الإقليمية وتراجعت الاضطرابات السياسية.

مع ذلك، يرى المحللون أن النمو الاقتصادي سيظل عرضة للعديد من العوامل الخارجية والداخلية التي قد تؤثر على سيره. من بين هذه العوامل، تظل التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط أحد أكبر المهددات التي قد تعيق التقدم الاقتصادي، بالإضافة إلى استمرار الضغط على قناة السويس التي تعد مصدرًا رئيسيًا للإيرادات القومية.

وسعيًا إلى تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، بدأت الدولة بالفعل في تنفيذ عدد من الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى تعزيز تنوع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للإيرادات مثل النفط والغاز. ومع تزايد الاهتمام بالقطاعات غير النفطية، مثل التكنولوجيا والسياحة والصناعات التحويلية، يعتقد الخبراء أن هذه الإصلاحات قد تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي على المدى البعيد.

ومع بداية 2025، تبرز الحاجة الملحة للتركيز على تطوير القطاعات التي تمثل أولوية وطنية، مثل التعليم، الرعاية الصحية، والطاقة المتجددة، لتوفير فرص عمل جديدة وتحقيق استدامة اقتصادية. على الرغم من التحديات التي يواجهها الاقتصاد، إلا أن هذه الإصلاحات قد تساهم في تحسين الوضع بشكل تدريجي، مما يجعل من الممكن تحقيق نمو مستدام في السنوات القادمة.

إجمالًا، يمثل عام 2025 مرحلة حاسمة للاقتصاد المصري. فبينما تستمر الضغوط المتمثلة في تراجع الجنيه، وارتفاع التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، هناك إشارات إيجابية تشير إلى إمكانية تحقيق تحسن تدريجي إذا ما استمرت الحكومة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والتحوط ضد المخاطر الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *