لم ينفِ وزير الخارجية سامح شكري، التقارير التي تحدثت عن خطة أوروبية تهدف إلى ضخ نحو عشرة مليارات دولار لدعم التنمية الاقتصادية في مصر وتخفيف تأثير الأزمة الجارية في فلسطين عليها.
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تسريع وتيرة الجهود الرامية إلى تعميق علاقته مع مصر ومساعدتها في معالجة آثار الصراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة على حدودها، وفقا لما نقلته وكالة “بلومبرج” عن “مصادر مطلعة”.
أهمية استراتيجية
وكان الاتحاد يستكشف تلك الشراكة مع مصر بالفعل، لكنه يريد حاليًا تسريعها؛ نظرا لأهميتها الاستراتيجية، والمخاوف بشأن زيادة تدفقات اللاجئين، بما في ذلك من الدول الأفريقية مثل السودان.
وفي الشهر الماضي، نقلت صحيفة “فايننشيال تايمز” عن مسؤولين، أن “الوضع الحالي في غزة، أثار موجة من المناقشات حول إبرام اتفاق بين الاتحاد الأوروبي ومصر، التي تلعب دورا مهما في منع هجرات جماعية بشكل غير مباشر إلى أوروبا، بما في ذلك محادثات أجريت في القاهرة مع كبار ممثلي المفوضية الأوروبية.
وقال المسؤولون للصحيفة إن مصر دولة حيوية على المستوى الإقليمي، وتعمل بالفعل بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي في إدارة مسألة الهجرة، لكنها مثقلة بالديون، وكانت تعاني أزمة حادة في العملة الأجنبية حتى قبل اندلاع حرب غزة على حدودها الشرقية، ما أثار مخاوف بشأن استقرارها على المدى المتوسط”.
وحصلت خطوات المفوضية الأوروبية بشأن الاتفاق على موافقة غير رسمية من قبل ممثلي الدول الأعضاء، لكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن تفاصيلها، بما في ذلك قيمتها الإجمالية وكيفية تمويلها.
وفيما ذكر متحدث باسم المفوضية الأوروبية، أن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية ستزور مصر غدا السبت (18 نوفمبر)، وستلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة، ثم تتوجه إلى سيناء لاستقبال المساعدات الإنسانية من الاتحاد الأوروبي قبل الاجتماع مع العاهل الأردني الملك عبد الله في عمان، فقد أكد أشخاص مطلعون لوكالة “بلومبرج” أن زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية تستهدف “دفع الجهود لدعم التنمية الاقتصادية في مصر وتخفيف تأثير الأزمة الجارية”.
خطة سداسية
وفقا لبلومبرج، سيقترح الاتحاد الأوروبي خطة تستهدف استثمار 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار) في القطاعات: الرقمية والطاقة والزراعة والنقل، وتتضمن 6 أولويات تتراوح بين الاقتصاد، والاستثمارات، والهجرة، والأمن، بالإضافة إلى عقد منتدى استثماري في الربيع المقبل. كما تسعى الخطة إلى الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من خلال مساعدة مصر في إدارة الحدود وإجراءات مكافحة التهريب والعودة الطوعية.
ويرغب الاتحاد الأوروبي في استكشاف الخيارات مع الدول الأعضاء لمساعدة مصر في معالجة عبء ديونها الثقيل، كما يسعى إلى توفير الدعم المالي للمشروعات التي تهدف إلى خلق فرص العمل والمساهمة في تحول الطاقة في البلاد، من أجل المساعدة في دعم اقتصادها وبشكل غير مباشر لتجنب الهجرة الجماعية إلى أوروبا.
وردا على سؤال حول الاتفاق، أشار متحدث باسم المفوضية إلى تعليق نائب الرئيس مارجريتيس شيناس، الذي قال للصحفيين الشهر الماضي “نحن بحاجة إلى العمل بنشاط مع مصر لضمان حصول مصر على كل الدعم الذي تستحقه لدورها المهم للغاية في المنطقة كدولة عبور”.
ويخشى الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه بالفعل أعلى مستوى من الوافدين منذ عام 2015، من أن أي قفزة في الهجرة من الشرق الأوسط وأفريقيا يمكن أن تزيد من إثارة مشاعر اليمين المتطرف في دول مثل إيطاليا وألمانيا.
تحذير مصري
وفي يونيو الماضي، حذر وزير الخارجية سامح شكري خلال مؤتمر مشترك بالقاهرة مع مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، من تحول مصر إلى “دولة معبر للاجئين” إلى أوروبا في حال “تعثرت الأمور” بعد أن أصبحت مقصداً لهم، معتبراً أن ذلك سيضغط على الاتحاد الأوروبي الذي أعلن تقديم 20 مليون يورو للقاهرة من أجل تلبية احتياجات اللاجئين السودانيين.
وتشعر إيطاليا بالإحباط بشكل خاص، بسبب تزايد المهاجرين إليها من تونس عبر البحر المتوسط، رغم الاتفاق الأخير الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي بشأن وقف المهاجرين المتجهين إلى أوروبا مقابل الدعم الاقتصادي، والذي تم نسفه بسبب إحجام تونس عن قبول الأموال.
وعلى الرغم من فشل الاتفاق مع تونس، يرى المسؤولون الأوروبيون أنها يصلح كنموذج للتعامل مع مصر، لأنه لا يشمل فقط تمويل مراقبة الحدود، ولكن أيضا الدعم الاقتصادي، على عكس اتفاق الاتحاد الأوروبي لعام 2016 مع تركيا، والذي يركز فقط على الهجرة.
والمفاوضات مع مصر حول مكافحة الهجرة إلى أوروبا مستمرة منذ أشهر، لكن الوضع في غزة أضاف إلحاحا جديدا إلى هذه المسألة، وفقا لـ”فايننشيال تايمز” وهو ما أكده وزير الخارجية سامح شكري في لقائه مع عدد من المراسلين الأجانب والعرب بالقاهرة حول الأوضاع في قطاع غزة، أمس الخميس.
فقد قال شكري إن وزارة الخارجية كانت منخرطة بشكل مباشر لعدة أشهر وربما قبلها في هذه الأزمة، وبالتالي لا يوجد ربط بين هذا وما يحدث الآن في فلسطين، مؤكدا عمق العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي.
علاقات عميقة
وأضاف شكري “يوجد اتفاق بيننا ونحن في مفاوضات دائمة مع الاتحاد الأوروبي لمصلحة الطرفين، وهناك اتفاقية للشراكة ترفع العلاقات إلى المستوى الاستراتيجي، وهذا يتناسب مع الاحتياجات الاقتصادية والتنموية لمصر، وهو أمر مفيد أيضًا كذلك للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء”.
وتابع شكري “بالنسبة للدعم الذي يقدمه الاتحاد فيما يخص الناحية السياسية وفرص الاستثمار والتنسيق فهذا لازال محل تفاوض ونأمل في أن يحدث في أقرب وقت ممكن، ولن أتحدث عن أي إطار زمني محدد أو حجم المساعدات، فكل هذه الأمور ما زالت محل دراسة بين الجانبين، وإذا ما حدث ذلك في القريب العاجل فإن ذلك سوف يفند الشائعات في الصحافة وسيعزز كذلك العلاقات بين الجانبين وسوف تعززه كذلك زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى مصر”.
ونفى شكري أن تكون مصر تلقّت عرضا من الولايات المتحدة وإسرائيل لمساعدتها على سداد ديونها مقابل استقبال الفلسطينيين الفارين من غزة التي مزقتها الحرب، وهو نزوح جماعي مُحتمل رفضته الدولة التي تعاني من ضائقة مالية أكثر من مرة.
وتمر بأسوأ أزمة اقتصادية لها منذ عقود، في ظل زيادة أعباء ديونها، وتأخر موعد مراجعة برنامج صندوق النقد الدولي، والنقص الحاد في النقد الأجنبي، وقد خفضت قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ أوائل عام 2022، ما أفقده نصف قيمته، في الوقت الذي تجاوز فيه الدولار حاجز الخمسين جنيها في السوق السوداء.
وتنفق مصر ما يقرب من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدفوعات الفائدة وحدها، وفق بيانات بلومبرج إيكونوميكس، في وقتٍ وصلت ديونها الخارجية نحو 165 مليار دولار.