 
						للمرة الثانية خلال عام 2025، أعلنت الحكومة رفع أسعار البنزين والسولار، في خطوة قالت إنها تستهدف ضبط مخصصات الدعم في الموازنة العامة وتقليص العجز المالي، لكنها فتحت في المقابل بابًا واسعًا للتساؤلات حول تداعياتها على معدلات التضخم وتوجهات السياسة النقدية خلال الربع الأخير من العام الجاري.
بدأ تطبيق الأسعار الجديدة اعتبارًا من صباح الجمعة 17 أكتوبر، وفق ما أعلنت لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، حيث ارتفع سعر بنزين 80 من 15.75 إلى 17.75 جنيهًا، وبنزين 92 من 17.25 إلى 19.25 جنيهًا، وبنزين 95 من 19 إلى 21 جنيهًا، كما زاد سعر السولار من 15.50 إلى 17.50 جنيهًا للتر الواحد، بينما ارتفع سعر الغاز الطبيعي للسيارات إلى 10 جنيهات للمتر المكعب.
وأكدت وزارة البترول والثروة المعدنية أن القرار جاء ضمن المراجعة الدورية للأسعار كل ثلاثة أشهر، بهدف مواكبة التغيرات في الأسواق العالمية وأسعار الصرف، مشيرة إلى أن الأسعار الجديدة ستُثبت لمدة عام كامل على الأقل، لضمان استقرار السوق وتسهيل التنبؤ المالي للقطاعين الصناعي والتجاري.
وبحسب مصادر مطلعة، من المتوقع أن توفر هذه الزيادة نحو 28 مليار جنيه من موازنة الدولة خلال العام المالي 2025-2026، المنتهي في يونيو المقبل. وكشفت المصادر أن زيادة معدل استهلاك البنزين بنحو 10% خلال الربع الثالث من العام الجاري، كانت دافعًا رئيسيًا وراء زياد الأسعار، إذ تجاوزت نسبة الاستهلاك متوسط الزيادة الطبيعية البالغ 2% سنويًا. وهذه الزيادة أعادت فارق الدعم الموجه للبنزين إلى الارتفاع رغم الزيادات المتتالية في أسعاره خلال العامين الماضيين، وفقا للمصادر، التي ذكرت أن عدم رفع الأسعار كان سيؤدي إلى زيادة دعم المنتجات البترولية بنهاية العام المالي الحالي إلى أكثر من 200 مليار جنيه، مقارنة بـ154 مليار جنيه مدرجة في موازنة العام المالي 2024-2025.
وتُظهر البيانات الحكومية أن مصر تستورد نحو 40% من استهلاكها من السولار، و50% من البوتاجاز، و25% من البنزين، ما يكلف الدولة نحو 366 مليون جنيه يوميًا، أي ما يعادل 11 مليار جنيه شهريًا كدعم للمنتجات البترولية.
ويرى عدد من الخبراء أن القرار كان متوقعًا في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الدولة، لكنه يأتي في توقيت حساس قد يفاقم من معدلات التضخم مؤقتًا.
الخبير الاقتصادي محمد حسن، يقول في تصريحات صحفية، إن القطاعات المرتبطة بالنقل والمواصلات والصناعة ستكون الأكثر تأثرًا، إلا أن الأسواق ستستوعب الزيادة تدريجيًا خلال الفترة المقبلة، معتبرًا أن الأثر التضخمي “مؤقت”. فيما يشير الخبير المصرفي، الدكتور أحمد شوقي، إلى أن زيادة السولار الأخيرة بنسبة 12.9% قد ترفع التضخم بنحو 1.5 إلى 2% خلال الربع الأخير من 2025.
ويضيف شوقي أن الأثر الأكبر سيكون في قطاع الزراعة الذي يعتمد على السولار في الري والحصاد والنقل، مما قد يؤدي إلى زيادة أسعار الخضروات والفواكه بنسبة تتراوح بين 10% و15%، في حين ترتفع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة بين 8% و12%، ومنتجات الألبان بنسبة بين 6% و9%.
وأوضح أن أجرة النقل العام والخاص قد ترتفع بنسبة 15% في المتوسط، كما ستشهد تكلفة الشحن الداخلي زيادات مماثلة، في حين يُتوقع ارتفاع أسعار السلع التموينية مثل السكر والزيت والأرز بنسبة بين 5% و8%، نتيجة زيادة تكاليف النقل والطحن.
من جانبه، قال الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح إن القرار سيؤثر على توجهات السياسة النقدية للبنك المركزي، موضحًا أن التضخم السنوي الذي بلغ 11.7% في سبتمبر قد يرتفع إلى نحو 14% أو 15% بنهاية العام.
وأشار إلى أن البنك المركزي، الذي خفّض الفائدة بنحو 1% مؤخرًا، قد يتريث في اتخاذ أي قرارات جديدة بالخفض، وربما يُبقي على الفائدة عند مستوياتها الحالية البالغة 21% للإيداع و22% للإقراض حتى نهاية العام، للحفاظ على استقرار الأسعار.
أما الخبير المصرفي أحمد أبو الخير، فقال إن القرار من شأنه خفض فاتورة دعم المحروقات بنحو 40 إلى 50 مليار جنيه، لكنه في المقابل سيولد موجة تضخمية قصيرة الأجل، مؤكدًا أن البنك المركزي سيكون أكثر حذرًا في استخدام أدواته النقدية.
وأوضح أن المركزي قد يعتمد على أدوات إدارة السيولة قصيرة الأجل وعمليات السوق المفتوحة لضبط المعروض النقدي واحتواء الضغوط التضخمية دون الإضرار بالنشاط الاقتصادي، مؤكدًا أن تثبيت الأسعار لمدة عام يمنح السوق “قدرًا من الاستقرار والتنبؤ المالي”.
وفي سياق متصل، حذر الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، من أن رفع أسعار الوقود في هذا التوقيت “الحساس” سيؤدي إلى ضغوط تضخمية جديدة، مشيرًا إلى أن أي زيادة في أسعار المحروقات تنعكس مباشرة على تكاليف النقل وأسعار السلع والخدمات.
وأوضح أنيس أن الربع الأخير من عام 2025 سيشهد ثلاثة عوامل رئيسية تدفع نحو زيادة التضخم، وهي رفع أسعار الغاز الصناعي، وزيادة أسعار الكهرباء، وارتفاع أسعار الوقود، مؤكدًا أن الحكومة أجّلت تطبيق زيادات الكهرباء إلى مطلع العام الجديد لتخفيف حدة الصدمة التضخمية.
وبحسب مصادر حكومية، تعمل الدولة على دراسة إجراءات من شأنها تقليل تأثير الزيادة على المواطنين، منها التوسع في برامج الدعم النقدي المباشر، وزيادة مخصصات النقل الجماعي، ومراقبة الأسواق للحد من الممارسات الاحتكارية. كما سيُوجّه جزء من الوفر الناتج عن خفض الدعم إلى تعزيز مخصصات الحماية الاجتماعية، وتطوير شبكات الأمان الاجتماعي لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
 
                




