
أطلقت الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية لتنمية صناعة السيارات، في منتصف عام 2022، وذلك في إطار القانون رقم 162 لسنة 2022، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتنمية الصناعة المحلية، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر.
يشمل الإطار المؤسسي الجديد إنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات، إلى جانب “صندوق تمويل صناعة السيارات الصديقة للبيئة”، وتأسيس وحدة تنفيذية بوزارة التجارة والصناعة للإشراف على تطبيق الاستراتيجية وضمان فاعليتها. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن واردات السيارات في مصر تكلف الدولة ما يقارب 4 مليارات دولار سنويًا، مما يشكّل ضغطًا كبيرًا على الاحتياطي النقدي الأجنبي.
منذ إعلان الاستراتيجية، بدأت الدولة المصرية في توقيع اتفاقيات تعاون مع كبرى شركات تصنيع السيارات، مثل نيسان، جنرال موتورز، وستيلانتس. هذه الاتفاقيات تهدف إلى توطين صناعة المركبات التقليدية والكهربائية، وتحقيق نقلة نوعية في المكون المحلي.
في هذا السياق، أُعلن عن شراكة مع شركة “سوميـتومو اليابانية” لإنشاء أكبر مصنع لضفائر السيارات في المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان، بتكلفة تفوق 100 مليون دولار، لتغطية احتياجات السوق المحلي والتصدير إلى أوروبا. كما تعاقدت مصر مع “شركة النصر للسيارات” لتجميع أول سيارة كهربائية مصرية بالشراكة مع شركات صينية، وأُطلقت مراحل الإنتاج التجريبي في 2023.
وفي تصريحات لمدير “نيسان إفريقيا” مايك وايتفيلد، اعتبر أن “الاستراتيجية تمثل نقطة تحول كبيرة… ومصر مؤهلة لأن تكون مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات”.
وركزت الاستراتيجية على التحول إلى السيارات الصديقة للبيئة، عبر تقديم حوافز تصل إلى 50 ألف جنيه مصري للمستهلك عند شراء سيارة كهربائية، وإعفاءات جمركية للمكون المحلي، فضلًا عن تأسيس 3 آلاف نقطة شحن كهربائية خلال ثلاث سنوات، بدءًا من العاصمة إلى المحافظات الحدودية.
وتدعم الدولة كذلك السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي من خلال توسيع شبكة محطات التموين لتصل إلى أكثر من 1,000 محطة، في إطار مشروع إحلال المركبات الذي يهدف لتقليل الانبعاثات وتعزيز كفاءة الوقود.
ورغم الجدية والطموح في الطرح، يواجه تنفيذ الاستراتيجية عددًا من التحديات الفنية والاقتصادية. يرى عدد من خبراء الصناعة أن نسبة المكون المحلي المستهدفة (60%) تفوق القدرة الواقعية في المدى القصير، حيث لا تتعدى النسبة الحالية 45%.
ووصف أحد الخبراء هذه الأرقام بأنها “طموحات تتجاوز الإمكانيات الفعلية، نظرًا لتعقيد سلاسل توريد مكونات السيارات، خاصةً في السوق الإفريقية غير المستقرة تجاريًا”.
كما لم تتطرق الاستراتيجية بشكل واضح إلى آلية إشراك الشركات العالمية الأم في تصميم منظومة التصدير، وهو ما قد يؤدي إلى تضارب في المصالح أو ضعف في التكامل الصناعي الإقليمي.
تشير بيانات وزارة الصناعة إلى أن عدد السيارات الكهربائية المُرخصة في مصر تجاوز 7,200 مركبة بنهاية النصف الأول من 2024، وهو رقم صغير نسبيًا لكنه يعكس نموًا متسارعًا، خصوصًا مع دخول علامات مثل BYD وCherry الصينية إلى السوق المحلي بتجميع داخلي.
كما بدأت مصانع جديدة بالإنتاج التجريبي، ويتوقع أن يصل حجم الإنتاج إلى 25,000 سيارة كهربائية خلال 2025 كمرحلة أولى، في طريق يستهدف الوصول إلى 500,000 مركبة سنويًا بحلول 2030.
هذا وتمثل استراتيجية صناعة السيارات اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تنفيذ مشروعات طموحة برؤية متكاملة، تُراعي اعتبارات البيئة، الاقتصاد، والتنافسية الدولية.
ورغم التحديات، فإن ما تحقق حتى الآن في توقيع الاتفاقيات، وتشجيع الاستثمار، وبدء خطوط إنتاج محلية، يُعد مؤشرًا إيجابيًا. لكن استدامة هذه الإنجازات تحتاج إلى: حوافز أكثر مرونة وجاذبية للمصنعين، وإشراك فعّال للشركات العالمية في رسم استراتيجيات السوق، وتطوير سلاسل الإمداد المحلية وربطها بالمنصات الصناعية الكبرى مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
إن نجاح هذه الخطة يعني أكثر من مجرد تجميع سيارات، بل هو خطوة نحو اقتصاد إنتاجي حقيقي يُعيد بناء الصناعة الوطنية على أسس حديثة ومستدامة.