
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعليم، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن تطبيق استبيان البكالوريا لطلاب المرحلة الإعدادية، بهدف التعريف بنظام البكالوريا ومقارنته بالنظام التقليدي، بدعوى قياس انطباعات الطلاب ومواقفهم تجاه النظام الجديد، وبالرغم ما يبدو عليه هذا الإجراء من حرص على مشاركة الطلاب في تطوير المنظومة التعليمية، إلا أن الواقع يكشف عن مدى هشاشة هذا التوجه، بل ويضع علامات استفهام كبيرة حول جدوى مثل هذه الخطوة، ومدى واقعيتها، وملاءمتها للفئة المستهدفة.
فالاستبيان، من حيث المبدأ يطرح عدة إشكاليات جوهرية تتعلق بالعمر العقلي للطلاب، وآلية جمع وتحليل البيانات، ومدى فاعلية مشاركتهم في اتخاذ قرارات مصيرية تمس مستقبل التعليم في مصر، ومما يثير الدهشة أكثر، هو التغافل عن إشراك الجهات الأكثر تأهيلاً وخبرة كأولياء الأمور والمعلمين، والخبراء، وفي مقابل توجيه هذا الاستبيان لأطفال لا يزالون في طور التكوين الفكري والنفسي.
تحديد نظام الثانوية متروك للأطفال
وفي هذا الصدد، قال الدكتور عاصم حجازي أستاذ علم النفس والتقويم التربوي بكلية الدراسات العليا بجامعة القاهرة، والخبير التربوي، في تصريحات خاصة لـ “لبورصجية” ان وزارة التربية والتعليم تستعد لتطبيق استبيان على طلاب المرحلة الاعدادية تشرح فيها من وجهة نظرها مميزات البكالوريا والاختلافات بينها وبين النظام القديم والحقيقة أن مثل هذا الإجراء أقل ما يوصف به أنه إجراء بلا فائدة وذلك لعدة أسباب منها، ان الفئة العمرية التي يطبق عليها الاستبيان هي من أطفال المرحلة الإعدادية فهل يعقل أن يكون تحديد نظام الثانوية العامة متروكا لأطفال المرحلة الإعدادية لتحديده؟
فربما تكون الاجابة أنه مجرد استطلاع للرأي ولن يؤخذ به وهنا سيكون الرد إذا لم تؤخذ نتائج هذا الاستبيان في الحسبان فلماذا ننفق الكثير من الوقت والجهد والمال أيضا لتطبيقه وإذا كانت النتائج ستؤخذ في الحسبان فقد عدنا ثانية للنقطة الأولى وهي أن مصير الثانوية العامة يحدده أطفال في المرحلة الإعدادية.
وذكر حجازي أن هذا الاستبيان إذا تم تطبيقه ورقيا فكيف يمكن تحليل نتائجه وجمعها خاصة مع العدد الكبير من طلاب المرحلة الإعدادية وهذه النقطة تحديدا توحي بأن تطبيق الاستبيان مجرد إجراء شكلي نظرا لصعوبة تحليل نتائج استبيان ورقي يتم تطبيقه على هذا العدد الكبير من الطلاب.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الأطفال في المرحلة الإعدادية غير مؤهلين لاتخاذ قرارات مصيرية كهذا القرار فضلا عن عدم امتلاكهم لمهارات التفكير النقدي وعدم تدريبهم بشكل مناسب على مهارات اتخاذ القرار وعقد المقارنات وحل المشكلات وغير ذلك من المهارات المطلوبة لاتخاذ مثل هذا القرار وكنت قد طالبت مسبقا بتدريس مقرر التفكير النقدي لطلاب المرحلة الإعدادية والتفكير الابتكاري لطلاب المرحلة الثانوية.
حتى إذا كان الاختيار يتم بمساعدة الأهل فلماذا لم يتم توجيه الاستبيان مباشرة إلى أولياء الأمور وهم الأكثر خبرة وأكثر قدرة على التقييم واتخاذ القرار ولماذا لم يتم إعداد استبيانات لخبراء التربية وأساتذة الجامعات والمعلمين وهم أولى بذلك من أي فئة أخرى.
واختتم حجازي قائلا انه ينبغي الإشارة أيضا إلى أن الاستقرار على شكل معين للثانوية العامة يجب أن يكون في ضوء المعايير العالمية وأهداف التنمية المستدامة ومن خلال الخبراء المختصين فالتعليم ليس سلعة نأخذ فيها رأي العملاء الذين سيقومون بالشراء ولكنه بناء للإنسان ولمستقبل الوطن ويجب أن يتم هذا البناء بخطة متوافقة مع المعايير العالمية.
رأي اولياء الأمور والمعلمون
وفي الإطار ذاته، رأى بعض أولياء الأمور أن الاستمارة تعكس إصرار وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني على تطبيق نظام البكالوريا المصرية المقترح كبديل للنظام التقليدي للثانوية العامة، دون إجراء أي تعديلات، وأشاروا إلى أن تجاهل آراء خبراء التربية ومقترحاتهم بشأن النظام المقترح يعكس تعنت الوزارة في تنفيذ هذا المقترح، واستخدام أساليب أخرى لتحقيق أهدافها.
وطرحت رودي نبيل، مؤسس جروب “معًا لغد مشرق للتعليم” وأدمن جروب “حوار مجتمعي تربوي”، تساؤلات حول ما إذا كان تخيير الطلاب بين الثانوية العامة والبكالوريا اختيارًا عادلًا أم خطوة غامضة، وأوضحت أن طرح استمارة التخيير بين النظامين يبدو جذابًا ظاهريًا ويعكس محاولات لتحديث النظام التعليمي، ولكنها تساءلت عن مدى واقعية هذا الاختيار، وما إذا تم التفكير في النتائج الاجتماعية والنفسية والتعليمية المترتبة عليه.

وأشارت إلى أنه لم يتم التشاور مع المجتمع بشأن نظام البكالوريا المقترح، ولم يتم طرح الفكرة بشكل كافٍ للجمهور. كما استنكرت غياب الحوار المجتمعي الشفاف حول مستقبل الطلاب وأسرهم. لفتت إلى أن أولياء الأمور والمعلمين لا يزالون يسمعون عن الفكرة دون أي وثائق واضحة أو شرح كافٍ، وتساءلت عن سبب عدم أخذ رأي المعلمين في إمكانية تدريس النظام الجديد.
وأوضحت أن توقيت طرح استمارة البكالوريا يتزامن مع انشغال الأسر والطلاب بامتحانات الثانوية والإعدادية، مما يثير تساؤلات حول كيفية اتخاذ القرار بشأن نظام غير مكتمل بعد. وأكدت أن القرارات المصيرية تحتاج إلى نقاش معمق ومشاركة حقيقية، مشيرة إلى أن إصلاح التعليم يتطلب حوارًا وشفافية، ويجب أن يكون التطوير مدروسًا ومبنيًا على مشاركة فعالة.