
في خطوة جريئة تشير إلى تزايد نفوذه السياسي، أعلن الملياردير الأمريكي “إيلون ماسك” أمس السبت عن تأسيس حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم “حزب أمريكا”، وجاء هذا الإعلان عبر منصته الاجتماعية “إكس”، حيث صرح “ماسك” بأن الحزب الجديد يهدف إلى “إعادة الحرية” للشعب الأمريكي، مستندًا إلى نتائج استطلاع رأي أجراه سابقًا أظهر دعمًا كبيرًا لهذه الفكرة.
خلفية قرار «إيلون ماسك» وأهميته:
لطالما كان “ماسك”، الذي ولد في جنوب إفريقيا وحصل على الجنسية الأمريكية عام 2002، شخصية مؤثرة في مجالات التكنولوجيا، لكن السنوات الأخيرة شهدت انخراطًا متزايدًا له في الساحة السياسية الأمريكية، فخلال دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، أظهر دعمًا واضحًا للرئيس “دونالد ترامب”، مقدمًا مساهمات مالية لحملة الجمهوريين ومستخدمًا منصة “إكس” للترويج له.
غير أن العلاقة بين “ماسك”، و”ترامب” شهدت توترًا علنيًا بعد فترة قضاها “ماسك” في الحكومة الفيدرالية، حيث قاد جهودًا مثيرة للجدل للحد من “الهدر والاحتيال وإساءة الاستخدام” من خلال وزارة كفاءة الحكومة، ورغم تراجعه عن بعض تصريحاته الأكثر حدة، ظل “ماسك” مقتنعًا بأن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى تشكيل قوة سياسية جديدة.
التحديات أمام «حزب أمريكا»:
في ظل النظام السياسي الأمريكي القائم على حزبين رئيسيين، يواجه الحزب الثالث عقبات كبيرة، فكما ذكرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية، ورغم السماح لمرشحي الحزب الثالث بالترشح في جميع الولايات الخمسين، تتطلب كل ولاية عددًا محددًا من التوقيعات لدعم الترشيحات، هذا يعني أن تأسيس “حزب أمريكا” سيتطلب حملة سياسية ضخمة وحشدًا واسعًا للدعم لترسيخ وجوده.
استجابة الجمهور واستطلاعات الرأي:
بدأت شرارة فكرة الحزب الجديد باستطلاع رأي نشره “ماسك” في الرابع من يوليو، يوم الاستقلال الأمريكي، متسائلًا: “يوم الاستقلال هو الوقت الأمثل للتساؤل عما إذا كنت تريد الاستقلال عن نظام الحزبين، هل ينبغي لنا إنشاء حزب أمريكا؟” وقد أظهر الاستطلاع، الذي أغلق ظهر أمس السبت وحصد ما يقرب من 1.25 مليون صوت، تأييدًا ساحقًا حيث صوت 65.4% بـ”نعم”.
وتفاعلًا مع هذه النتائج، أجرى “ماسك” استطلاعًا آخر، مؤكدًا: “بنسبة 2 إلى 1، أنتم تريدون حزبًا سياسيًا جديدًا، وستحصلون عليه! عندما يتعلق الأمر بإفلاس بلدنا بالإسراف والفساد، فنحن نعيش في نظام حزب واحد، وليس ديمقراطية، اليوم، أُسس حزب أمريكا ليعيد لكم حريتكم”، كما نشر صورة ساخرة لثعبان برأسين مع عبارة “انهوا الحزب الواحد”، في إشارة إلى قناعة البعض بأن الديمقراطيين والجمهوريين لا يقدمون تغييرًا جوهريًا حقيقيًا.
الأهداف التشريعية والتأثير المحتمل:
نظرًا لكونه مواطنًا أمريكيًا مولودًا خارج البلاد، لا يحق لـ”إيلون ماسك” الترشح للرئاسة، لكن بإمكانه توجيه الدعم المالي للمرشحين، وقد أشار “ماسك” إلى أن هدف حزبه الجديد سيكون التركيز على الفوز بمقعدين أو ثلاثة في مجلس الشيوخ، وثمانية إلى عشرة مقاعد في مجلس النواب، ويهدف هذا التمثيل المحدود إلى أن يكون بمثابة “التصويت الحاسم على القوانين المثيرة للجدل”، لضمان خدمة “الإرادة الحقيقية للشعب” نظرًا للهوامش التشريعية الضئيلة.
فوفق تقارير إعلامية، تُشير استطلاعات الرأي إلى أن “ماسك” قد يجد دعمًا قويًا لمسعاه، فقد أظهر استطلاع أجرته شركة “كوانتوس إنسايتس” بين 30 يونيو و2 يوليو على 1000 ناخب مسجل أن 40% منهم، بمن فيهم عدد كبير من الناخبين الجمهوريين، “سيفكرون في التصويت لصالح حزب ثالث نظري يدعمه ماسك” بدلًا من المرشحين التقليديين، وقد علقت “كوانتوس إنسايتس” على “إكس” بأن هذه الأسئلة عادةً ما تحظى بصدى إيجابي في استطلاعات الرأي، مستشهدة بأن 63% من الأمريكيين أيدوا حزبًا ثالثًا في عام 2023، وهو أعلى مستوى في 20 عامًا وفقًا لاستطلاعات غالوب.
عقبات متأصلة ومخاوف تقسيم الأصوات:
على الرغم من هذه المؤشرات، لا تزال هناك شكوك كبيرة حول إمكانية أن يحقق حزب ثالث تأثيرًا حقيقيًا، فقد صرح “جرانت ديفيس ريهير”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز، لمجلة “نيوزويك” الأمريكية، بأن هناك “العديد من العقبات الهيكلية أمام إنشاء حزب ثالث قابل للاستمرار والحفاظ عليه”.
وقد أظهر استطلاع آخر أجرته شركة “يوجوف” في 18 يونيو على 3118 بالغًا أمريكيًا أن 46% منهم يعتقدون أن وجود حزب ثالث ضروري، بدعم من 47% من الديمقراطيين و35% من الجمهوريين، ومع ذلك وفقًا لـ”كيفن مادن”، الشريك الرئيسي في مجموعة بنتا، في تصريح سابق لمجلة “نيوزويك”، يميل معظم الناخبين إلى “ولاءاتهم الحزبية الرئيسية”، مما يترك الحزب الثالث يفتقر إلى “التمويل والكوادر التنظيمية اللازمة لتحقيق تقدم كبير”.
كما حذر الخبير السياسي الأمريكي “دافيد تاونلي” من جامعة “بورتسموث” في حديث لـ”نيوزويك” من أن “الحزب الثالث لا يميل إلى أن يكون له عمر طويل في السياسة الأمريكية”، وأضاف أن حزب “ماسك” الجديد “من المرجح أن يقسم التصويت الجمهوري، مما قد يؤدي إلى هيمنة الديمقراطيين على مجلس النواب، على الأقل في الأمد القريب، بسبب النظام الانتخابي الذي يأخذ فيه الفائز كل شيء”.
توقيت الإعلان والخلافات السياسية:
جاء إطلاق “حزب أمريكا” بعد يوم واحد من توقيع “ترامب” على “مشروع القانون الكبير والجميل” ليصبح قانونًا، هذا التشريع الشامل بقيمة 3.3 تريليون دولار يتضمن تخفيضات ضريبية وإنفاقًا على البنية التحتية وتدابير تحفيزية، وقد لاقى انتقادات من التيارين المحافظ والليبرالي على حد سواء، ورغم أن “ماسك” لم يشر مباشرة إلى هذا القانون في منشوراته عن الحزب الجديد، إلا أن التوقيت يشير إلى تصاعد التوتر بين الملياردير والرئيس، خاصة مع تحذيرات “ماسك” المتكررة من أن الإنفاق الحكومي غير المنضبط من كلا الحزبين يهدد استقرار الاقتصاد على المدى الطويل.
وقالت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية: أثارت هذه الخطوة مخاوف بين بعض المعلقين المحافظين على منصة “إكس”، حيث أشار “شون فاراش” إلى أن “حزبكم الثالث سوف يحصل على أصوات غير متناسبة من اليمين مقابل اليسار، ويمنح اليسار طريقًا أسهل للوصول إلى السلطة”، وفي المقابل، حث آخرون مثل “جوي مانارينو”، “ماسك” على السعي لإصلاح الحزب الجمهوري من الداخل، كما أشار النقاد إلى أن استطلاع “إكس” كان غير رسمي، ولم يكن مقتصرًا على الناخبين الأمريكيين، وكان عرضة لتأثير الروبوتات.
يمثل إعلان “إيلون ماسك” عن تأسيس “حزب أمريكا” لحظة فارقة في المشهد السياسي الأمريكي، إذ يعكس رغبته المعلنة في تحدي نظام الحزبين التقليدي، فبينما تُظهر استطلاعات الرأي وجود شهية عامة لتجربة سياسية جديدة، لا تزال التحديات الهيكلية والشكوك حول قدرة أي حزب ثالث على إحداث تأثير جوهري قائمة، وبين آمال مؤيدي التغيير ومخاوف منتقدي تقسيم الأصوات، سيبقى “حزب أمريكا” تحت المجهر، لنرى ما إذا كان سيتمكن من ترسيخ قدمه وإعادة تشكيل ديناميكيات السلطة في الولايات المتحدة، أم أنه سينضم إلى قائمة المحاولات السابقة التي لم تدم طويلًا في السياسة الأمريكية.
By a factor of 2 to 1, you want a new political party and you shall have it!
When it comes to bankrupting our country with waste & graft, we live in a one-party system, not a democracy.
Today, the America Party is formed to give you back your freedom. https://t.co/9K8AD04QQN
— Elon Musk (@elonmusk) July 5, 2025
اقرأ أيضا: ترامب يوقع مشروعه «الكبير والجميل» بقيمة 3.3 تريليون دولار