بينما تمر مصر بأزمة اقتصادية خانقة، في ظل انهيار العملة المحلية إلى مستوى قياسي، وندرة العملات الأجنبية،وارتفاع معدلات التضخم، فإنها تعكف على مجموعة من الإجراءات التي تبتغي من ورائها تحويل دفة الاقتصاد إلىالوجهة الصحيحة.
وعلى مدار السنوات الماضية، أمست البلاد مثقلة بقدر يفوق طاقتها من الديون الخارجية، حتى إن خدمة الفائدةوحدها استهلكت نحو نصف إيرادات الدولة بصورة منتظمة، وفقا للبيانات والأرقام الرسمية.
وفي خضم تلك الأزمة، يقول صناع القرار في مصر أن حزمة الإجراءات والإصلاحات المزمع اتخاذها سوف تُحدثُتحولًا كبيرًا في أسواق مصر واقتصادها، ومع ذلك فإنه لا دليل يمكن الاسترشاد في ضوئه إلى موعد انتهاء الأزمةالحالية، لكنّ هناك 5 نقاط، يمكن أن تكشف إلى أين تتجه الأمور إذا روقِبت بدقة، وفقا لتقرير ترجمته “البورصجية” عن وكالة “بلومبرج“.
تبدأ الوكالة تقريرها بالحديث عن قيمة الجنيه التي صارت أكثر مرونة، تلبية لصندوق النقد الدولي، الذي حدد عددًامن الشروط للموافقة على إقراض مصر ثلاثة مليارات دولار، وسط توقعات باندفاعات هبوط حاد في سعر الصرفتعقب عادة فترات الاستقرار الطويلة.
ويمثل إنهاء حالة عدم اليقين هذه مفتاحًا لحل الأزمة الاقتصادية، وذلك عبر إظهار التخلي عن استخدام الاحتياطياتالأجنبية للبنوك لحماية الجنيه، فالمستثمرون لن يضخوا المزيد من الأموال في السندات أو حصص الشركات إذا لميضمنوا استبعاد انخفاض آخر في قيمة الجنيه.
أما حالات الهبوط والصعود المتواضعة التي قد تصيب الجنيه في الأسابيع المقبلة، ستكون علامة على أنها تعكسالعرض والطلب بشكل أكثر دقة، وبالتالي قد تسهم في طمأنة المستثمرين، كما أن الاستئناف المطرد لبعضالواردات بعد تسوية التأخير في دخولها عبر المواني المصرية من شأنه أن يظهر تحسن تدفقات النقد الأجنبيوالضغط على تخفيف الجنيه.
ومع أن الانخفاضات الأكثر حدة في قيمة الجنيه ربما تكون انتهت، لكن مؤسسات مالية عالمية لا تستبعد حدوثالمزيد من الضعف في قيمته هذا العام.
النقطة الثانية التي تطرق إليها تقرير “بلومبرج” كانت “الديون“. ولئن كن زمن احتفاظ المستثمرين الأجانب بالديونالمحلية المصرية بأكثر من 30 مليار دولار قد ولّى منذ فترة طويلة، فإنّ ارتفاع أسعار الفائدة الخارجية قبل يوليوالمقبل ربما يشير إلى أن مصر في طريقها لتغطية فجوة التمويل.
وتستهدف الدولة ملياريْ دولار من صافي التدفقات الداخلة، بحلول (يوليو)، وهو هدف مبنيٌّ على ثقة المستثمرينفي أنه لا يجري التدخل في سعر الجنيه، كما أن العائد إيجابي على الديون الحكومية. ويُقصد بالعائد الإيجابي أنالفائدة بالعملة المحلية تتجاوز معدلات التضخم.
نقطةٌ ثالثة أثارها التقرير وهي المساعدات الخليجية لمصر. فقد تعهدت دول خليجية منذ عام تقريبا بتقديم أكثرمن 10 مليارات دولار استثمارات في مصر، لكن لم تفِ هذه الدول سوى بجزء بسيط من تعهداتها، بل إنّ الوفاءبكامل ما تعهدت به صار محلّ شك، في ضوء اتجاه دول الخليج نحو الدعم المشروط بتطبيق إصلاحات.
واعتادت بلدان الخليج تقديم المساعدات إلى مصر في أوقات الأزمات، إن بمنحٍ نقدية أو ودائع لدى البنك المركزيلدعم احتياطي النقد الأجنبي. وفي القمة العالمية للحكومات التي استضافتها دبي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسيإنه “لولا وقوف الأشقاء في الامارات والسعودية والكويت، لما تجاوزت مصر ما كانت تمر به“، مشيرا إلى الفترة ما بين2011 و2013.
إلا أن دول الخليج بدأت في تبني سياسة أخرى لتقديم الدعم النقدي للحلفاء، وظهر ذلك واضحا في تصريحات بثتهاقناة العربية خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي لوزير المالية السعودي محمد الجدعان الذي أكد أن بلاده غيرت طريقةتقديمها للمساعدات قائلا “اعتدنا أن نعطي منحًا وودائع دون شروط، ونحن نغير ذلك، ونقوم بالعمل مع مؤسساتمتعددة الأطراف… لنقول نحن نريد أن نرى إصلاحات“.
ويسجل الاحتياطي لدى القاهرة أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج. لكن ديونمصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار.
وتقول “بلومبرج” في تقريرها، إن كل ذلك يعني أن الصفقة الكبرى التي من المحتمل أن تتضمن بيع حصة مملوكةللدولة المصرية في شركة كبرى إلى الإمارات أو قطر أو السعودية قد تكون لحظة فاصلة، يتبعها المزيد منالمعاملات، لكنّ الخليجيون يريدون أولا أن يصل الجنيه إلى الحد الذي يسمح لهم بالاستقرار على ما يعتقدون أنهأسعار محلية عادلة للأصول.
ويقول الاقتصادي في شركة “كابيتال إيكونوميكس” جيمس سوانستون إن “الاستثمارات الخليجية في مصر العامالماضي ساعدت في تخفيف بعض مخاوف مصر التمويلية الفورية، قبل تأمين المزيد من صندوق النقد الدولي“.
وأضاف “كذلك سمحت لدول الخليج بشراء الأصول المصرية بسعر أقل مما كانت عليه في السابق بعد انخفاضقيمة العملة ودعم الحكومة المصرية والاستمرار في أن يكون لها مجال نفوذ في المنطقة“.
وإلى نقطة رابعة مثيرة للجدل، ذكر التقرير أن من بين توصيات صندوق النقد الدولي خلال المفاوضات التي أجراهامع مصر بشأن التمويل الأخير، كان تقليص دور الدولة في القطاع الاقتصادي، وإفساح المجال أمام زيادة مشاركةالقطاع الخاص.
والأسبوع الماضي أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أسماء 32 شركة عامة وأصول سيتم طرحها في البورصة منبينها ثلاثة مصارف وشركتان تابعتان للجيش. وكانت هذه هي خطة الحكومة التي كان من المقرر تنفيذها قبل نهايةالعام الماضي.
تمثل الشركات المزمع طرحها نحو 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا من بين قطاعات الطاقة والكهرباء والبنوك والتأمينوالنقل.
وبحسب التقرير، فإنّ تسريع حركة الطروحات خطوة إيجابية، كما سيكون من المهم كذلك تنفيذ أول طرح علىالإطلاق لشركة مرتبطة بجهاز الخدمة الوطنية وهي شركة وطنية لتوزيع الوقود.
لكن معالجة الأمر ليست سهلة، إذ حذر صندوق النقد الدولي من أن أي إعادة توازن “قد تواجه مقاومة من أصحابالمصالح المكتسبة” في إشارة إلى مصالح الشركات المحسوبة على جهات سيادية.
واختتمت الوكالة تقريرها بالحديث عن التضخم “المتسارع الذي لا يظهر أي علامة على التراجع“، إذ ارتفعت أسعارالمواد الغذائية في يناير بأسرع وتيرة على الإطلاق، فقد واصل ارتفاعه خلال الشهر الماضي ليسجل 31.2 بالمئةمقابل 12.4 بالمئة في الشهر نفسه من العام الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، وهو أعلى مستوىللتضخم الأساسي منذ سبتمبر 2017، وهو أمر تولي الحكومة لمعالجته أولوية قصوى.
ويذكر التقرير أن عائلات مصرية بدأت في تقليص نفقاتها، فيما أثار اقتراح هيئة الرقابة على التغذية الحكومية بأنيأكل المصريون المزيد من أقدام الدجاج حالة من الغضب الشعبي.
ويشير التقرير إلى أنه عندما يبدأ التضخم في التباطؤ، ربما في النصف الثاني من عام 2023 على أقرب تقدير، فإنذلك قد يوفر بعض الراحة المتواضعة لحلحلة أزمة مصر الاقتصادية المتفاقمة.