عالم

إسرائيل وحماس تتوصلان لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة

أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، اليوم الخميس، التوصل إلى اتفاق مبدئي بين إسرائيل وحركة حماس يقضي بوقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج عن جميع الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها داخل القطاع، وذلك في إطار خطة سلام جديدة قال إنها تشكل بداية النهاية لأطول نزاع في الشرق الأوسط.

وقال “ترامب”، في بيان نُشر عبر منصته “تروث سوشيال”، إن الاتفاق يمثل يوماً عظيماً للعالمين العربي والإسلامي، ولإسرائيل، وللولايات المتحدة، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية عملت على مدار شهور مع شركائها الإقليميين للوصول إلى تفاهم متوازن يضمن أمن جميع الأطراف.

تفاصيل الاتفاق وآلية التنفيذ

نقلت شبكة “سي بي إس نيوز” عن مصادر في البيت الأبيض أن الاتفاق ينص على وقف فوري ومتبادل لإطلاق النار، يتبعه بدء عملية تبادل للأسرى والرهائن خلال 72 ساعة من دخول الهدنة حيز التنفيذ، على أن تكتمل العملية تحت إشراف مصري قطري مشترك.

وأوضح مسؤول أمريكي رفيع لـ”سي بي إي نيوز” أن القوات الإسرائيلية ستبدأ إعادة انتشارها إلى المناطق الحدودية خلال 24 ساعة من المصادقة الرسمية على الاتفاق، في حين تتولى الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية إدخال المساعدات الإنسانية والإشراف على توزيعها.

وفي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، أكد “ترامب” أن تنفيذ الاتفاق سيبدأ الاثنين المقبل، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى تشمل إطلاق جميع الرهائن الأحياء وجثامين المحتجزين، وأن الاتفاق يمهّد لتسوية أوسع تشمل إعادة الإعمار وضمان الأمن الدائم في غزة.

موقف القيادة الفلسطينية

رحّب المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية “نبيل أبو ردينة” بالاتفاق، مؤكداً في تصريحات لـقناة “سكاي نيوز عربية” أن وقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية يمثلان أولوية وطنية للرئيس محمود عباس، مشدداً على أن أي تسوية سياسية يجب أن تؤدي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وأشار “أبو ردينة” إلى أن التفاهم الذي رعته واشنطن تم بالتنسيق الكامل مع مصر وقطر والسعودية والأردن والإمارات، معتبراً أن التحرك العربي الجماعي كان حاسماً في تهيئة المناخ لهذا الاتفاق.

الدور المصري

برزت مصر كوسيط رئيسي ومحرك أساسي في جميع مراحل التفاوض، حيث استضافت جولات الحوار النهائية في مدينة شرم الشيخ بمشاركة وفود من الولايات المتحدة وقطر وتركيا والفصائل الفلسطينية.

ووفق ما نقلته قناة “الشرق”، عن مصادر دبلوماسية مصرية، فإن القاهرة أدارت المفاوضات بمنهج توافقي يعتمد على بناء الثقة بين الطرفين، وتمكنت من صياغة آلية تنفيذ عملية ومرنة تحفظ مصالح الجانبين وتضمن التزام كل طرف ببنود الاتفاق.

وكشفت المصادر أن المقترح المصري الذي نال قبولاً دولياً واسعاً، تضمن النقاط التالية:

  1. تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية مستقلة لإدارة شؤون قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية، بعيداً عن الانتماءات الفصائلية.
  2. إشراف مصري قطري أممي مشترك على المعابر الحدودية وميناء غزة لضمان تدفق المساعدات وإعادة الإعمار.
  3. إطلاق برنامج إعادة إعمار شامل بتمويل من الدول العربية والإسلامية، وتحت رقابة مالية دولية.
  4. تفعيل التنسيق الأمني الإقليمي عبر لجنة تضم مصر وتركيا والأردن والسعودية وقطر، لمنع أي خروقات أو تصعيد جديد.

وأكدت المصادر أن القاهرة حصلت على ضمانات مكتوبة من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، تتعلق بعدم استهداف المدنيين، والسماح بدخول 400 شاحنة مساعدات يومياً في المرحلة الأولى، مع خطة لزيادة العدد تدريجياً إلى 1000 شاحنة خلال أسابيع.

وفي تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، قال الخبير الاستراتيجي المصري اللواء “سمير فرج” إن مصر نجحت في إعادة الثقة بين الأطراف، مضيفاً أن الرئيس “عبد الفتاح السيسي” تلقى اتصالاً من “ترامب” بعد التوصل إلى الاتفاق، حيث أعرب الرئيس الأمريكي عن تقديره للدور المصري الحاسم، وأبدى رغبته في زيارة القاهرة لتوقيع الاتفاق النهائي خلال الأسابيع المقبلة.

وأوضح “فرج” أن مصر تعمل بالتنسيق مع واشنطن على إعداد خارطة طريق تنفيذية تتضمن جدولاً زمنياً دقيقاً للانسحاب الإسرائيلي، وإعادة تشغيل المعابر، وبدء برامج إعادة الإعمار، وتشكيل اللجنة الاقتصادية الدولية الخاصة بغزة.

وأشار اللواء “سمير فرج” إلى أن القاهرة تتابع ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية عبر اتصالات مع جميع الفصائل، بهدف توحيد الموقف الوطني وضمان مشاركة سياسية متوازنة في المرحلة الانتقالية.

وفي بيان أعقبت الإعلان عن الاتفاق، وصف الرئيس “السيسي” اللحظة بأنها تاريخية، مشيراً إلى أن العالم شهد انتصار إرادة السلام على منطق الحرب.

وقال “السيسي” من مدينة شرم الشيخ، معقل الحوار والتقارب الإقليمي، إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، يمثل خطوة حاسمة نحو وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة بعد عامين من المعاناة، وفقاً لخطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

وأكد الرئيس المصري أن هذا الاتفاق لا يكتفي بإنهاء صفحة الحرب فحسب، بل يفتح آفاق الأمل أمام شعوب المنطقة نحو مستقبل يسوده الاستقرار والعدالة.

الموقف الإسرائيلي وردود الفعل الداخلية

في إسرائيل، وصف رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” الاتفاق بأنه إنجاز سياسي كبير، لكنه أقر بوجود خلافات داخلية حول بعض تفاصيله، خصوصاً تلك المتعلقة بجدول الانسحاب وتبادل الأسرى.

ونقلت “سي بي إس نيوز” عن مسؤولين إسرائيليين أن وزراء من اليمين المتطرف هددوا بالانسحاب من الائتلاف في حال تم تنفيذ البنود المتعلقة بتخفيف السيطرة الأمنية على غزة، فيما دعت المعارضة إلى المصادقة على الاتفاق دون تأخير لإنقاذ الأرواح واستعادة الاستقرار.

بيان حركة حماس

في المقابل، أعلنت حركة حماس، في بيان، أنها وافقت على الاتفاق الذي يتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وانسحاباً إسرائيلياً كاملاً من قطاع غزة، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود، مؤكدة أن ما تحقق ثمرة لصمود الشعب الفلسطيني وجهود الوسطاء.

وشكرت الحركة مصر وقطر وتركيا على جهودهم، داعية المجتمع الدولي إلى ضمان التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق ومنع أي خروقات إسرائيلية.

ترحيب دولي وأممي واسع

رحّبت عدة دول ومنظمات بالاتفاق، إذ وصفته فرنسا وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي بأنه خطوة ضرورية نحو إنهاء معاناة المدنيين.

وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” بالدور المصري المحوري في إنجاح الوساطة، داعياً جميع الأطراف إلى الالتزام الكامل بالاتفاق والسماح بإدخال المساعدات على الفور ودون عوائق.

أيضا رحّب الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” بالتوصل إلى اتفاق حول تنفيذ المرحلة الأولى من خطة السلام في غزة، مؤكداً أهمية تنفيذ الاتفاق سواء عبر صفقة تبادل الأسرى أو انسحاب القوات الإسرائيلية.

وأضاف “أبو الغيط” أنه يتطلع إلى استمرار جهود الوسطاء لضمان صمود اتفاق غزة وتنفيذه بشكل كامل ومستدام، مشيداً بالدور الذي لعبته مصر وقطر والولايات المتحدة في تهيئة الظروف المناسبة للوصول إلى هذا الإنجاز.

ما بعد الاتفاق

يرى محللون سياسيون أن الدور المصري لن يتوقف عند الوساطة، بل سيمتد إلى الإشراف على تنفيذ الاتفاق وتنسيق الدعم الدولي لإعادة الإعمار، وتستعد القاهرة، وفق تقارير دبلوماسية، لاستضافة مؤتمر دولي موسع يضم ممثلين عن الدول المانحة والهيئات الأممية لتحديد أولويات إعادة إعمار غزة وإطلاق المشاريع الإنسانية.

كما ستقود مصر، بالتعاون مع الأردن والسعودية وقطر، حواراً فلسطينياً داخلياً يهدف إلى إعادة بناء مؤسسات الحكم وتوحيد الأجهزة الأمنية، تمهيداً لإجراء انتخابات عامة بإشراف عربي ودولي.

ويرى خبراء أن نجاح هذا المسار سيعتمد على ضمانات مصرية  أمريكية متبادلة، لضبط إيقاع التنفيذ ومنع أي انهيار محتمل للاتفاق، في ظل التحديات الأمنية والسياسية القائمة في كل من إسرائيل وغزة.

بداية مرحلة جديدة

يشكّل الاتفاق، رغم كونه مبدئياً، تحولاً سياسياً كبيراً بعد عامين من الحرب المدمرة التي أودت بحياة عشرات الآلاف وأدت إلى دمار واسع في البنية التحتية.

ويجمع المراقبون على أن القاهرة خرجت من هذه الجولة كقوة إقليمية مركزية في صياغة التوازنات الجديدة، بينما ترى واشنطن أن هذا الاتفاق يمثل اختباراً لعودة دورها القيادي في الشرق الأوسط.

وفي انتظار توقيع الاتفاق النهائي في القاهرة، تترقب المنطقة مرحلة دقيقة تتحدد فيها ملامح ما بعد الحرب، وما إذا كانت هذه الهدنة ستتحول إلى سلام دائم يفتح الطريق أمام تسوية شاملة تعيد رسم مستقبل غزة والمنطقة بأسرها.

اقرأ أيضا: السيسي يبحث مع الرئيس الجزائري الجهود المصرية لإنهاء حرب غزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *