سوق المال

أين ذهبت مدخرات المصريين خلال 5 سنوات؟

من العقار إلى شهادات الـ 30%..

شهدت السنوات الخمس الماضية تحولات جذرية في أنماط الادخار والاستثمار لدى المصريين، نتيجة لتقلبات سعر الصرف، وارتفاع معدلات التضخم، وتغير السياسات النقدية، وهو ما دفع المواطنين للبحث عن قنوات آمنة وذات عائد مرتفع لحماية قيمة أموالهم.

ومنذ 2020، ارتفع معدل التضخم في مصر بشكل متسارع، لا سيما بعد قرارات التعويم في مارس 2022، ثم مجددًا في مارس 2024. هذه التحركات دفعت الأسر إلى التخلي عن نمط الادخار التقليدي في الحسابات الجارية والادخار غير الرسمي، والاتجاه نحو أدوات مالية تحقق عائدًا حقيقيًا بعد خصم التضخم.

كانت الشهادات مرتفعة العائد التي أصدرتها البنوك، خاصة بنكا مصر والأهلي المصري، هي الخيار الأكثر جذبًا، حيث طرحت شهادات بعوائد وصلت إلى 25% ثم 30% في أوقات ارتفاع التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن حصيلة بعض هذه الشهادات تخطّت 500 مليار جنيه خلال أسابيع من طرحها.

اتجه المواطنون من مختلف الفئات لربط أموالهم في تلك الشهادات، خاصة مع استقرار العائد وضمان رأس المال، مقارنة بالبدائل ذات المخاطر المرتفعة مثل الذهب أو العقارات.

رغم ارتفاع أسعار العقارات بنسب كبيرة خلال الفترة ذاتها، فإن السوق شهد حالة من التباطؤ في الشراء الحقيقي مقابل زيادة في المضاربات. لجأ الكثير من الأفراد إلى شراء وحدات عقارية بغرض حفظ قيمة الأموال، وليس للاستثمار طويل الأجل أو السكن، خاصة مع تآكل قيمة الجنيه.

في الوقت نفسه، واجه السوق تحديات بسبب الزيادات المتكررة في أسعار مواد البناء، وتأثير ذلك على تكاليف التنفيذ وأسعار البيع النهائي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية وتوجه البعض إلى الاستئجار أو البدائل الأرخص.

وارتفع الطلب على الذهب بصورة لافتة خلال فترات الذعر الاقتصادي، خاصة عند الإعلان عن قرارات التعويم. ومع تقلب سعر الدولار في السوق الرسمي والموازي، تحوّل الذهب من مجرد زينة أو ادخار إلى أداة مضاربة عند البعض.

لكن مع طرح الشهادات ذات العوائد المرتفعة، تراجع الطلب نسبيًا على الذهب، خصوصًا في 2023، قبل أن يعود مجددًا مع بداية 2025 وسط توقعات بخفض أسعار الفائدة تدريجيًا.

وبدأت شرائح من المصريين تتجه نحو أدوات استثمارية أكثر تطورًا، مثل صناديق الاستثمار المشتركة أو شهادات الذهب البنكية. ويُعزى هذا الاتجاه إلى زيادة الوعي المالي وانتشار تطبيقات التكنولوجيا المالية، التي ساهمت في تسهيل الوصول للمعلومات والمنتجات البنكية.

ورغم أن هذه الأدوات لا تزال تستهدف فئة محددة، إلا أن نموها مؤشر على تغير تدريجي في سلوك المدخر المصري.

أثبتت السنوات الخمس الماضية أن سلوك الادخار في مصر لم يعد تقليديًا، بل أصبح مرنًا ويتأقلم بسرعة مع المتغيرات الاقتصادية. وتبقى الشهادات البنكية، مدعومة بسياسات البنك المركزي، هي الأداة الأكثر تأثيرًا في تحريك اتجاهات المدخرين، لكن الذهب والعقار يظلان منافسين قويين في أوقات الأزمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *