كانَ أكثرُ المتفائلين في مصر يتوقع أن يشهد العام الجديد قرارات اقتصادية صعبة، لا سيّما في ظل الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد.
وبعد تأجيلها على مدار عام ونصف العام، كان من المتوقع أن تعلن الحكومة عن زيادة في أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي بنسب تراوحت بين 16 و26 بالمئة، وفقاً لشرائح الاستهلاك، بحسب جهاز تنظيم مرفق الكهرباء. وقد رفعت أسعار الكهرباء أيضاً على القطاع الصناعي بنسبة 20 بالمئة تقريبا.
أسعار تذاكر المترو والسكة الحديد ارتفعت هي الأخرى، فيما رفعت الشركة “المصرية للاتصالات” أسعار باقات الإنترنت بنسبة تتجاوز 30 بالمئة.
وكان من المفترض أن تزيد الحكومة أسعار الكهرباء في يوليو 2022، ضمن خطة إلغاء دعم الكهرباء بشكل كامل، لكن القرار تم تأجيله 18 شهرًا، بناءً على توجيهات رئاسية.
الاستهلاك والتكلفة
في تصريحات تليفزيونية بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، شرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي استهلاك الشرائح والتكلفة، موضحا أنّ الشريحة الأولى التي تستهلك من صفر حتى 50 كيلو وات لكل ساعة، ستدفع 58 قرشا للكيلو وات بعدما كانت تدفع 48 قرشا فقط، أما الشريحة التي تليها، التي تستهلك من 50 إلى 100 كيلو وات لكل ساعة، فستدفع 68 قرشا بدلا من 58 قرشا، وأما الشريحة الثالثة التي تستهلك بدءا من 100 وحتى 200 كيلو وات، فستدفع 85 قرشا للكيلو وات بدلا من 77 قرشا.
وتمثل هذه الشرائح الثلاث 65 بالمئة من جموع الشعب، وفقا لرئيس الوزراء الذي أوضح أن التكلفة الفعلية التي تتحملها الدولة هي 177 قرشا للكيلو، مقابل ما تتحمله أعلى شريحة، مضيفا أن خسائر الكهرباء ستتقلص نتيجة هذه الزيادة في الأسعار، لتصبح 75 مليار جنيه بدلا من 90 مليارًا.
فيما تحاسب الشريحة الرابعة من 201 إلى 350 كيلو وات بسعر (125 قرشًا بدلا من 106)، والخامسة من 351 إلى 650 كيلو وات (140 قرشًا بدلا من 128)، أما السادسة حتى إلى 1000 كيلو وات فتحاسَب بسعر (150 قرشًا بدلا من 131)، وأخيرًا السابعة أكثر من 1000 كيلو وات فتحاسب بسعر (165 قرشًا بدلا من 145).
وقالت مصادر مسئولة بوزارة الكهرباء، إن زيادة أسعار الكهرباء ستوفر أكثر من ملياري جنيه شهريًّا من جميع المستهلكين: المنزلي والصناعي والتجاري وغيرها.
وبالرغم من تلك الزيادات، لا يزال حجم الدعم كبيرًا جدا، ولا تزال كل الشرائح تدفع أقل من التكلفة الفعلية، وفقا لمدبولي، الذي قال إنه لو تكن الدولة تتحمل ذلك الدعم لتمكنت من توفير مواد بترولية لمنع انقطاع الكهرباء، مشيرا إلى أنه على مدار العام ونصف العام تحملت الدولة هذه الخسائر والدعم، لئلّا يُحمّل المواطن أعباء كبيرة.
خطة خمسية
ونظرًا للخسائر التي تكبدتها الدولة في ظل تراكم الديون والأزمة الخانقة التي تمر بها، اضطرت إلى اتخاذ قرار بزيادة أسعار الكهرباء، لأنه “ليس من الأمانة عدم التعامل مع هذه الخسائر، بما يزيد من حجمها، وتركها لمن يأتي من بعدنا” وفقا لرئيس الوزراء، الذي يضيف: “حينما لجأنا إلى قرار الزيادات طلبت من وزير الكهرباء وضع عدد من السيناريوهات، وكان من بينها سيناريو لإنهاء الأزمة بتقليل الدعم خلال عامين فقط، والبديل الآخر هو حل المشكلة على مدار خمس سنوات من أجل تخفيف تبعاتها على المواطن”.
وقال مدبولي إنه في ظل إدراك الدولة مدى صعوبة الموقف الحالي على المواطن، قررت تقسيم الزيادات على خمس سنوات، مؤكدا أنها “زيادات بسيطة” على الشرائح الأساسية التي تمثل 65 بالمئة من الشعب، لتبدأ الشرائح الأخرى القادرة وبعض الاستخدامات الاستثمارية الأخرى في تحمل الموضوع حتى يمكن العودة بعد 5 سنوات لما نستهلكه اليوم، من دون دعم.
لكنّ مصدرا رسميا بوزارة الكهرباء، قال لصحيفة “المصري اليوم” إن الزيادات ستستمر لمدة 6 أشهر فقط، لأول مرة في تاريخ وزارة الكهرباء، وذلك بسبب التذبذب في سعر الدولار، الذي يعد من أهم ركائز تحديد قيمة تكلفة الكيلو وات. وأوضح المصدر أن الأسعار الجديدة تم حسابها بسعر 30.9 جنيه للدولار، مشيرًا إلى أنه ستتم إعادة النظر في الأسعار في حال تغيّر سعر الدولار الرسمي في البنك. وأيّدت ذلك مصادر أخرى.
وقال جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، أن الأسعار الجديدة محددة وفقًا لسعر الصرف المعلن من البنك المركزي (30.9 جنية/دولار)، على أن يتم إعادة النظر في التعريفة في حال تغيير سعر الصرف، مؤكدا أنهس يتم تطبيق مقابل القدرة على أساس الحمل الأقصى للمشترك كل ثلاثة أشهر.
كما سيتم تطبيق تعريفة وقت الاستخدام طبقاً لبرنامج تطبيق العدادات الذكية وفترة الذروة 4 ساعات تحدد بدايتها وزارة الكهرباء والطاقة، وفي حالة عدم توفر العدادات يتم تطبيق متوسط سعر الطاقة، بحسب جهاز تنظيم مرفق الكهرباء.
مديونية الكهرباء
ارتفعت مستحقات وزارة البترول لدى الكهرباء إلى مستوى تجاوز 153 مليار جنيه، وفقا لتصريحات سابقة لمسئول حكومي بوزارة البترول، حيث لفت إلى أن مديونية الكهرباء ارتفعت نظير مسحوباتها من الغاز الطبيعي والمازوت اللازمين لتشغيل محطات الكهرباء التقليدية على مستوى المحافظات، إذ تستهلك تلك المحطات حاليًا بين 60 و62 بالمئة من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في مصر.
وأضاف المسؤول لموقع “العربية” أن وزارة الكهرباء تحصل على كميات من الوقود تتراوح قيمتها بين 11 و13 مليار جنيه شهريًا وتتغير بشكل دوري بحسب الأسعار العالمية التي شهدت تقلبات مؤخرًا تأثرًا بالأحداث العالمية الاقتصادية والسياسية، لافتا إلى أن الكهرباء تسدد بين 40 و60 بالمئة من قيمة فاتورة الوقود الشهرية، لتتراكم باقي القيمة على المديونيات السابقة.
كما أوضح أن وزارة الكهرباء خفضت القيمة التي تسددها شهريًا إلى وزارة البترول بعد تأجيل قرار زيادة الأسعار خلال 2023، مشيرا إلى أن وزارة الكهرباء ربما تتجه لرفع معدلات سداد فاتورة الاستهلاك بداية من شهر يناير حال رفع أسعار الكهرباء في أوائل 2024.
وقال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت بشكل واضح في قطاع الكهرباء، الذي شهد زيادة كبرى في الاستهلاك في ظل ارتفاع سعر الدولار.
وأضاف في تصريحات متلفزة، أن المشكلة الحقيقية بجانب زيادة الاستهلاك هي ارتفاع سعر الوقود المستورد والغاز المستورد لتشغيل المحطات مما أدى إلى عبء كبير على الميزانية العامة للدولة، مشيرا إلى أن الزيادات البسيطة في سعر الكهرباء ما هي إلا محاولة لتخفيف الضغط عن الميزانية.
التخفيف مستمر
وفيما يتعلق بتخفيف الأحمال، قال المتحدث إن الدولة تعمل جاهدة على التوقف عنه في أقرب فرصة، لكنّ هناك ضغوطا يجب الاعتراف بها، إذ إن الدعم زاد على 90 مليار جنيه في قطاع الكهرباء بسبب ارتفاع أسعار الدولار وزيادة الاستهلاك.
وبدأت وزارة الكهرباء نظاما جديدا ومؤقتا لتخفيف الأحمال لمدة ساعتين يوميا بين الساعة 11صباحا و5 مياءً، خلال فترة امتحانات منتصف العام استجابة لطلبات النواب والمواطنين الذين طالبوا بتغيير مواعيد التخفيف، وعدم انقطاع الكهرباء ليلاً، نظرا لبدء امتحانات منتصف العام.
من جانبه قال النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إنه ضد استمرار تخفيف الأحمال مؤكدا أن تمادي الحكومة في تطبيق ما سمته تخفيف الأحمال هو أمر غير مقبول، واستمرار لحالة عدم المصارحة مع المواطنين، فقد أعلنت الوزارة منذ عدة أشهر عن تطبيق تخفيف الأحمال لمدة شهرين، فيما استمرت في قطع التيار الكهربائي، بل وزادت المدة من ساعة إلى ساعتين.
وأكد إمام، في تصريحات صحفية، أن انقطاع الكهرباء يحمل عدم احترام لظروف المصريين، كما يؤثر في الناتج القومي لما ينتج عن قطع التيار الكهربائي من وقف خدمات عديدة، منها خدمة الإنترنت التي تعد أساسية للعديد من الوظائف الإنتاجية حاليا.