عالم

أمن قومي وتحديات إنسانية.. «ضوابط مصرية لزيارة حدود غزة» 

على مدى عقود، كانت “مصر” السند والعمق الاستراتيجي لـ”القضية الفلسطينية”، وشريان الحياة لـ”قطاع غزة” المحاصر، ولم تتوانَ “القاهرة” يوماً عن بذل الغالي والنفيس لدعم صمود “الشعب الفلسطيني”، سواء عبر فتح معابرها أمام المساعدات الإنسانية التي تتدفق كشلال من الخير، أو من خلال جهودها الدبلوماسية الصلبة لإنهاء العدوان الغاشم، وتحقيق السلام العادل.

وبينما تستمر الأزمة الإنسانية الطاحنة في “غزة”، وتتصاعد الدعوات الدولية لدعم الفلسطينيين، أصدرت “جمهورية مصر العربية” ضوابط تنظيمية صارمة لزيارة المنطقة الحدودية المحاذية للقطاع، هذه الخطوة، التي تؤكد على ضرورة الحصول على موافقات مسبقة للوفود الأجنبية، وتأتي في ظل تزايد الطلبات والاستفسارات لزيارة مدينتي “العريش، ورفح”، وتثير تساؤلات جدية حول دوافع بعض التحركات التي قد تستغل “قضية غزة النبيلة” لتهديد الأمن القومي المصري.

ضوابط أمنية ضرورية:

شددت “وزارة الخارجية المصرية” على أن السبيل الوحيد لمواصلة النظر في طلبات الزيارة هو التقدم بطلب رسمي للسفارات المصرية في الخارج، أو من خلال الطلبات المقدمة من السفارات الأجنبية بـ”القاهرة”، أو ممثلي المنظمات إلى وزارة الخارجية.

وأوضحت الخارجية أن هذه الضوابط الأمنية ضرورية لضمان أمن الوفود الزائرة، نظراً لدقة الأوضاع في تلك المنطقة الحدودية منذ بداية الأزمة في “قطاع غزة”، كما أكدت “مصر” أنها لن تنظر في أي طلبات أو تستجيب لأي دعوات ترد خارج الإطار المحدد بالضوابط التنظيمية المتبعة، مشددة كذلك على أهمية التزام مواطني كافة الدول بالقوانين والقواعد المنظمة للدخول إلى الأراضي المصرية، بما في ذلك الحصول على التأشيرات أو التصاريح المسبقة.

مصر- موقف ثابت ورفض للانتهاكات:

وفي سياق متصل، أكدت “مصر” مجدداً على موقفها الثابت الداعم لصمود “الشعب الفلسطيني” على أرضه، والرافض للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وشددت على أهمية الضغط على “الاحتلال الإسرائيلي” لإنهاء الحصار على القطاع، والسماح بالنفاذ الإنساني من كافة الطرق والمعابر الإسرائيلية مع القطاع، هذه التصريحات تعكس التزام مصر الراسخ بدعم القضية الفلسطينية على كافة المستويات.

“قافلة الصمود”- نوايا خبيثة تتجاوز الإغاثة الإنسانية:

وفيما رحبت مصر بالمواقف الدولية والإقليمية الداعمة للحقوق الفلسطينية، تباينت ردود الأفعال وتساءلت عن الهدف الحقيقي وراء بعض القوافل، مثل “قافلة الصمود”، التي صرح المتحدث باسمها، “وائل نوار”، بأنها لا تحمل مواد طبية أو غذائية أو غيرها من المساعدات لـ”غزة”، وأدعى أن هدفها كسر الحصار ومحطتها الأخيرة ستكون في القطاع.

في ذات الوقت يرى محللون، أن هذه القافلة، التي تفتقر إلى أي تنسيق مسبق مع “السلطات المصرية”، تثير شكوكاً عميقة حول نواياها الحقيقية، فدخول هذا العدد الكبير من الأشخاص من الخارج، وخاصة مع عدم وضوح انتماءاتهم ولا توجهاتهم، يمثل تحدياً أمنياً جسيماً لمصر، علاوة على ذلك، فإن مسألة السماح لهم بالدخول وعبور “الأراضي المصرية” من غربها إلى شرقها لمسافة تتخطى 700 كيلومتر تضع تحديات ضخمة أمام أجهزة الأمن.

والمثير للتساؤل هنا هو أن منظمي مثل هذه القوافل يعلمون تمام العلم أن المعابر لـ”قطاع غزة” مغلقة بإحكام من الجانب الإسرائيلي، وأن إسرائيل لن تسمح بدخولهم تحت أي ذريعة، وهذا العلم المسبق يضع علامات استفهام كبرى حول السبب الحقيقي لتنظيم هذه القوافل، ويوجه الأنظار نحو دوافع غير إنسانية.

وتباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض لمثل تلك القوافل، ورأى منتقدون أن هذه القافلة ربما تكون مجرد غطاء لأجندات سياسية مشبوهة تهدف إلى التشويش على الدور المصري، ومحاولة التقليل من شأن الجهود المصرية المتواصلة والحقيقية في دعم “قطاع غزة” وكسر الحصار، عبر تصوير مصر وكأنها عائق أمام المساعدات.

ويرى أخرون أن الهدف الأبرز هو إحداث فوضى أمنية على الحدود المصرية، وخلق بؤر توتر تستنزف جهود الأجهزة الأمنية المصرية التي تعمل على مدار الساعة لتأمين الحدود وحماية البلاد من أي اختراقات.

ويؤكد خبراء أن مثل هذه “القافلة” قد تكون أداة في يد “جماعة الإخوان المسلمين” وأعوانهم من جماعات التطرف والإرهاب وتنظيماتهم الدولية، الذين يستغلون القضية الفلسطينية، “التي تعد قضية محورية للشعب المصري”، لتصفية حساباتهم مع “الدولة المصرية”، وتشويه صورتها أمام الرأي العام الدولي والإقليمي، وأشار الخبراء إلى عدم استبعاد احتمالية أن تكون هذه “القافلة” غطاءً لتجنيد عناصر متطرفة، أو تهريب أسلحة أو أموال أو مواد ممنوعة عبر الأراضي المصرية، مستغلين حالة التعاطف الشعبي مع غزة، أيضا محاولة تصوير “الدولة المصرية” وكأنها لا تتعاون، من خلال الإصرار على مسارات غير قانونية وغير منسقة، حيث تسعى هذه الجهات إلى تصوير مصر وكأنها تمنع المساعدات أو تقف ضد الشعب الفلسطيني، وهو أمر يتنافى تماماً مع تاريخ مصر وموقفها الثابت.

تهديد للأمن القومي واستغلال لقضية غزة:

يحذر خبراء أمنيون وسياسيون من أن الهدف الحقيقي وراء بعض هذه التحركات قد يكون محاولات للتشهير بمصر، وليس نصرة “غزة”، ويؤكدون أن قضية “غزة”، التي تمثل محوراً مركزياً في السياسة الخارجية المصرية والعربية، أصبحت أداة لتصفية حسابات تنظيمات دولية، وأن هذا الاستغلال الواضح لقضية إنسانية وعادلة يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، ويهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي عبر اختراق الحدود المصرية تحت غطاء الدعم الإنساني.

وفي خضم هذا المشهد المعقد، حيث تتلاقى “أوجاع غزة” مع المصالح المتضاربة والأجندات الخفية، تظل “مصر” صامدة كجدار فولاذي، لا تلين عزيمتها ولا تهتز رؤيتها، وإن الضوابط الصارمة ليست قيداً على التضامن، بل هي درع يحمي عمق “القضية الفلسطينية” من الاستغلال، ويصون أمن وطن قدم وما زال يقدم دماء أبنائه ثمناً لأمنه واستقراره، فبينما تتربص الأيادي الخبيثة، وتترنح الأهداف النبيلة أمام مطامع المتربصين، تقف مصر ثابتة، تدرك أن دعم “فلسطين” الحقيقي يبدأ من أرضها الصلبة، ومن حماية حدودها التي كانت وستظل خط الدفاع الأول عن أمة بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *