
شهدت الساحة الدولية اليوم الأربعاء، تصعيدًا جديدًا في الأزمة النووية الإيرانية، حيث أقر البرلمان الإيراني خطة لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هذا القرار جاء في سياق تصريحات إيرانية حادة، وتحذيرات أمريكية متواصلة، وجهود دبلوماسية عربية ودولية لاحتواء الموقف.
إيران تعلق التعاون النووي وتصعد لهجتها:
في خطوة ذات تداعيات دولية محتملة، وافق البرلمان الإيراني اليوم بأغلبية كبيرة على خطة لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورغم تأكيد وكالة “تسنيم” الإيرانية أن هذه الخطوة لا تعني انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، إلا أنها تهدف إلى تعليق بعض جوانب التعاون، بما في ذلك تركيب كاميرات المراقبة ومنع دخول المفتشين.
وصرح النواب الإيرانيون أن القرار جاء ردًا على ما وصفوه بـ”انتهاك السيادة الوطنية” وتعريض مصالح إيران للخطر، مشددين على ضرورة ضمان أمن المراكز والعلماء النوويين، كما وجهوا انتقادات حادة إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، “رافائيل غروسي”.
ونص القرار على إلزام الحكومة الإيرانية بتعليق أي تعاون مع الوكالة حتى يتم ضمان احترام السيادة الوطنية الإيرانية وأمن منشآتها النووية، بالإضافة إلى حقوقها في تخصيب اليورانيوم داخل البلاد، وتضمنت المذكرة الخاصة بالقرار بندًا يفرض عقوبات على أي شخص يحاول عرقلة تنفيذه.
وفي السياق ذاته، أطلق رئيس مجلس الشورى الإيراني، “محمد باقر قاليباف”، تصريحات شديدة اللهجة، مؤكدًا أن إيران سترد بـ”قوة ساحقة” على أي اعتداء، وستسرع وتيرة برنامجها النووي السلمي، واتهم “قاليباف” الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ”بيع مصداقيتها الدولية بثمن بخس”، لعدم إدانتها الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، وأكد أن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ستعلق التعاون مع الوكالة حتى يتم ضمان أمن المنشآت النووية الإيرانية، مشددًا على تسريع البرنامج النووي السلمي بشكل أكبر، وهدد “قاليباف” تهديًدا صريحًا، مؤكدًا أن إيران “لن تنخدع بأي وعود” وستبقى “على أهبة الاستعداد، وأيديها على الزناد” للرد بقوة على أي عدوان جديد.
مواقف دولية متباينة وتحذيرات أمريكية:
في المقابل، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” خلال قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” اليوم في لاهاي، حيث صرح بأن إيران لن تتمكن من صنع قنابل نووية “لفترة طويلة جدًا”، وأن تخصيب اليورانيوم هو “آخر شيء سيفكرون في فعله”، وأكد “ترامب” أنه لن يسمح بحدوث ذلك، مشيدًا بـ”النصر الهائل” الذي تحقق بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، ودافع عن الضربات الجوية الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية، معتبرًا أنها “أنهت الصراع”، لكنه حذر من أن الحرب قد “تبدأ من جديد قريبًا”.
وهدد “ترامب” بضرب إيران مجددًا إذا ما حاولت طهران إعادة بناء برنامجها النووي، كما شبه الضربات الأمريكية على إيران بقرار الولايات المتحدة استخدام القنابل الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، في تصريحات أثارت جدلاً واسعًا.
من جانبها، طالبت إيران بإدانة دولية لهجمات الولايات المتحدة على منشآتها النووية، ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، “إسماعيل بقائي”، المجتمع الدولي إلى إدانة ما وصفه بـ”الفعل العدواني الأمريكي” ضد المنشآت النووية السلمية الإيرانية، مؤكدًا أن الحصول على الطاقة النووية السلمية حق أصيل لإيران، وأدان “بقائي” تصريحات البعض بشأن فعالية الهجمات الأمريكية و”الصهيونية” على المنشآت النووية الإيرانية، معتبرًا أنها “ضربة قاصمة للقانون الدولي والدبلوماسية والأخلاق”.
جهود دبلوماسية مصرية لاحتواء التصعيد:
في ظل هذا التوتر المتصاعد، تكثفت الجهود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة، حيث أجرى الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الإيراني “مسعود بزشكيان”، وخلال الاتصال، أعرب الرئيس “السيسي” عن رفض مصر القاطع للهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف دولة قطر مؤخرًا، مؤكدًا إدانة مصر لأي أعمال تمس سيادة الدول، كما رحب الرئيس “السيسي” بالإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، مشددًا على أهمية تثبيت هذا الاتفاق والالتزام به.
وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير “محمد الشناوي”، أن الاتصال تناول أيضًا الجهود المكثفة التي أجرتها مصر خلال الأيام الماضية مع مختلف الأطراف المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لاحتواء التصعيد، واتفق الرئيسان على أن المرحلة الحالية تقتضي الدفع نحو الحلول السياسية الشاملة، واستئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي بين واشنطن وطهران، وضرورة معالجة الشواغل المرتبطة بعدم الانتشار النووي، والدفع نحو إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
وفي سياق متصل، جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، الدكتور “بدر عبد العاطي”، ووزير خارجية اليونان، “جورجيوس جيرابيتريتيس”، ورحب الوزيران باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بين إيران وإسرائيل، وشددا على ضرورة التزام الطرفين بالاتفاق لاحتواء التصعيد الذي شهدته المنطقة خلال الأيام الأخيرة، وضرورة فتح المجال أمام المسارات السياسية والدبلوماسية.
تحديات معقدة في أفق الشرق الأوسط:
تؤشر هذه التطورات إلى مرحلة جديدة من التعقيد في ملف الأزمة النووية الإيرانية، وتثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار الإقليمي، وتعليق إيران لتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعكس حالة من عدم الثقة والتوتر المتصاعد، بينما تزيد التحذيرات الأمريكية من تصاعد حدة الخطاب بين الأطراف، وتظل الجهود الدبلوماسية، خاصة تلك التي تقوم بها دول كبيرة مثل مصر، حاسمة في محاولة لتهدئة الأوضاع ومنع الانزلاق نحو صراع أوسع.
ومع ذلك، فإن إيجاد حل شامل ومستدام للقضية النووية الإيرانية، وضمان أمن جميع الأطراف، يتطلب توافقًا دوليًا جادًا وتعاونًا بناءً، وهو ما يبدو تحديًا كبيرًا في ظل المواقف المتباينة والمعقدة.
اقرأ أيضا: ترامب يهدد بضرب إيران مجدداً إذا أعادت إحياء برنامجها النووي