
ورقة ضغط سياسى..
في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، لم يعد النفط سلعة اقتصادية محكومة بقوانين العرض والطلب فقط، بل تحوّل إلى أداة ضغط سياسي حاسمة بيد القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تستخدمه لفرض إرادتها على خصومها، ويبرز ذلك بوضوح في استراتيجية واشنطن على المستوى الدولي الهادفة إلى إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، عبر استخدام ورقة النفط لفرض عقوبات على روسيا وممارسة ضغوط على الصين والهند ومن يتبع نهجهم.
ووفقًا لمحللين من منظمة “آرجوس ميديا” في مؤتمر أيبك النفطي، تشهد أسواق النفط تحولين رئيسيين: الأول، تحول جغرافي في العرض والطلب، ويأتي الطلب بشكل أساسي من آسيا، بينما يأتي نمو العرض من الأمريكيتين “خاصة كندا والبرازيل”، مما يغير مسارات الشحن العالمية.
أما التحول الثاني، فهو التأثير المتزايد للعوامل السياسية على أسواق الطاقة، مما يزيد من خطر انقطاع الإمدادات، وهو ما شهدته أوروبا بوضوح عندما قررت وقف شراء النفط الروسي.
وفي هذا السياق، أفاد محللون من “شركة كبلر”، المختصة في أسواق الطاقة والشحن، بأن التدفقات من الأمريكيتين نحو آسيا وصلت إلى أعلى مستوى ربع سنوي لها على الإطلاق، مسجلةً 4.09 مليون برميل يوميًا خلال الفترة من أبريل إلى يونيو الماضيين، وهو ما يمثل حوالي 16% من واردات آسيا المنقولة بحرًا.
تُشير تصريحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، التي نقلتها “صحيفة الجارديان” البريطانية، إلى أن الطاقة هي أداة يستخدمها لتحقيق أهدافه السياسية، ووفقًا لمنشور له على منصة “تروث سوشيال”، صرح “ترامب” بأنه مستعد لفرض عقوبات كبيرة على روسيا “عندما تتفق جميع دول حلف الناتو، وتبدأ، في القيام بنفس الشيء، وتتوقف جميعا عن شراء النفط من روسيا”.
فهذه السياسة تُعزز من استقطاب سوق النفط، حيث تُجبر الدول المستوردة على الاختيار بين الموردين الذين توافق عليهم واشنطن ومن لا توافق عليهم، وهذا يضع دولًا مثل الصين والهند في موقف حرج، خاصة مع تعميق علاقاتهما مع روسيا، وهو ما أكدته “صحيفة واشنطن بوست”، في تقرير لها حول “الهياج في عقد الصفقات” بين بكين وموسكو عقب زيارة “بوتين” للصين، وقد فرضت واشنطن بالفعل ضريبة استيراد بنسبة 25% على السلع القادمة من الهند مقابل شرائها لمنتجات الطاقة الروسية.
كشفت التوترات الأخيرة عن عمق الصراع بين الولايات المتحدة والصين، فوفقًا لوكالة “شينخوا”، الصينية، اتهمت بكين واشنطن بـ “الغطرسة الفردية والإكراه الاقتصادي” بعد مطالبتها حلفاءها بفرض رسوم جمركية على الصين بسبب شرائها النفط الروسي.
وصرح وزير الخزانة الأمريكي “سكوت بيسنت”، مؤخرًا، لوكالتي “بلومبرج ورويترز”، بأن إدارة “ترامب” لن تفرض رسومًا إضافية على المنتجات الصينية إلا إذا فرضت أوروبا رسومًا كبيرة على بكين ونيودلهي، وأشار إلى أن هذا الإجراء قد ينهي الحرب في أوكرانيا خلال 60 إلى 90 يومًا.
ووفقًا لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، اجتمع مسؤولون من البلدين في مدريد في الفترة الأخيرة لمناقشة قضايا شائكة مثل الرسوم الجمركية، وقيود التصدير، ودعم الصين لروسيا.
يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا أمريكية متزايدة لقطع واردات الطاقة الروسية بشكل أسرع، رغم خطته القاضية بالتخلص التدريجي من استيرادها بحلول عام 2028، وفقاً لوكالة “رويترز”.
وقد كشفت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، في 16 سبتمبر أن المفوضية الأوروبية أجّلت حزمة العقوبات الجديدة ضد روسيا، مما يعكس تحوّل الأولويات إلى التوفيق بين الأهداف السياسية والواقع الاقتصادي.
ويأتي هذا التأجيل في ظل إصرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على أن واشنطن لن تفرض عقوبات كاملة إلا إذا بادرت أوروبا أولاً، وربط ذلك بضرورة فرض رسوم جمركية تتراوح بين 50% و100% على الصين، وفقاً لما نقله مسؤول في البيت الأبيض لوكالة “رويترز”.