بنوك وتامين

أمادو هوت : أفريقيا بحاجة لبنك أكثر سرعة وابتكاراً يقودها نحو الاعتماد على الذات

في وقت يشهد فيه العالم تغيرات اقتصادية وجيوسياسية متسارعة، وتتناقص فيه المساعدات الدولية، تبرز الحاجة الملحة لقيادات أفريقية تمتلك الرؤية والإرادة لإعادة تشكيل النموذج التنموي في القارة. ومن هذا المنطلق، يطرح أمادو هوت، الاقتصادي السنغالي المعروف ونائب رئيس البنك الأفريقي للتنمية السابق، نفسه كمرشح لرئاسة البنك، حاملا معه خبرة تمتد لأكثر من 25 عاماً في القطاعين العام والخاص.
وفي هذا الحوار، يكشف هوت عن دوافعه الشخصية والمهنية للترشح، ويقدم رؤيته الاستراتيجية الطموحة لمستقبل البنك الأفريقي للتنمية، مع تركيز خاص على تمكين الشباب والنساء، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتكثيف دور البنك في شمال أفريقيا، وتحويله إلى مؤسسة أكثر ابتكاراً واستقلالية، قادرة على تعبئة الموارد المحلية وقيادة التحول الاقتصادي في القارة من الداخل.

1- ما الذي دفعك للترشح لرئاسة بنك التنمية الأفريقي في هذا الوقت؟

أولا أنا أصولي من يوميبل، أحدى أفقر ضواحي داكار ووالداي لم يلتحقا بالمدرسة قط فوالدتي كانت ربة منزل بينما كان والدي يعمل سائق شاحنة إلا أنهما كانا يؤمنان بشدة بقوة التعليم، والعمل الجاد، وإمكانيات النجاح ، وهذه النوعية من القصص ليست جديدة في أفريقيا، فهي قصة تكررت عبر الأجيال ولا تزال تتكرر وهو ما غذى شغفي بإحداث الأثر وأدى بي في النهاية إلى مسيرة مهنية امتدت 25 عاما في قطاع التمويل، مكرسة بالكامل لخدمة أفريقيا وأنا أترشح لأنني أؤمن بأن لدى أفريقيا القدرة على خلق فرص غير محدودة، خاصة للشباب والنساء عبر التكامل الإقليمي والاستثمار المركز في التعليم وتنمية المهارات.

ثانيا، شعوري بالمسئولية تجاه أفريقيا التي تواجه مشهدا عالميا يزداد تعقيدا فالنموذج التقليدي للتنمية يتغير حيث تتناقص المساعدات وتوقعات الجهات المانحة تتبدل و قارتنا لا يمكنها تحمل حدوث أي تباطؤ وما كان يساعد البنك في الماضي لن يكون كافيا الآن أو في المستقبل القريب فأنا أؤمن بأن على بنك التنمية الأفريقي أن يتطور ليصبح مؤسسة أكثر سرعة وابتكارا واعتمادا على الذات من خلال تعبئة الموارد المحلية.

كما أريد أن أتحمل هذه المسئولية وأقود البنك نحو مرحلة جديدة تتسم بمزيد من الإنجاز، حيث يصبح البنك اللاعب الرئيسي لوضع وتصميم استراتيجية أفريقيا للنمو.

و الآن و أكثر من أي وقت مضى، أعتقد أن البنك بحاجة إلى قائد يتمتع بكفاءة تقنية وفطنة سياسية، وقادر على بناء التحالفات، ويفهم التحديات والفرص على المستوى الأفريقي والعالمي، ويعرف البنك من الداخل لأنه لا وقت نضيعه و أعتقد أنه تتوافر في كل هذه الصفات.

لا يمكننا أن ننتظر الآخرين ليقودونا إلى الأمام فمستقبل أفريقيا لن يبنى فقط استنادا على الدعم الخارجي، بل على ثروتنا، ومواردنا البشرية، وقدرتنا على خلق الفرص على نطاق واسع. وهو ما يعني الاستثمار في الناس، وتمويل البنية التحتية التي تفتح أبواب التجارة والطاقة والتحول الصناعي والزراعة. ويعني أيضا الاستفادة من رأس المال الموجود لدينا بالفعل، من المدخرات المحلية إلى ثروات المغتربين لذاعلينا أن نقوم بذلك بأنفسنا، ويجب أن يكون البنك في قلب هذا التحول فهذه هي المهمة التي تحفزني.

2 – كيف أعدت خبراتك السابقة لقيادة البنك بكفاءة؟

على مدار 25 عاما، تشرفت بخدمة أفريقيا من خلال مناصب قيادية في القطاعين العام والخاص وعلى المستويين الوطني والقاري، وداخل مؤسسات تصوغ السياسات وتحشد رأس المال.
وعبر هذه المسيرة، اكتسبت فهما واسعا لما يصنع النتائج وما يعيق التقدم وما يتطلبه تحويل الرؤية إلى واقع.

كما بدأت مسيرتي المهنية في التمويل الدولي، وعملت في مراكز مالية عالمية كبرى من باريس إلى نيويورك، ولندن، ودبي، وأخيراً لاجوس، حيث أصبحت الرئيس التنفيذي لشركة UBA Capital في 2008، والتي أصبحت لاحقا United Capital وفي خلال عامين فقط، أنشأنا واحدة من أنجح بنوك الاستثمار في القارة.

هذه التجربة مكنتني من تعبئة مليارات الدولارات لصالح الحكومات الأفريقية والقطاع الخاص، وتطوير الأدوات العملية اللازمة لدعم التحول على نطاق واسع و بدافع الرغبة في الخدمة، عدت إلى السنغال وأطلقت صندوق الثروة السيادي للبلاد (FONSIS)، الذي أصبح مرجعاً أفريقيا لجذب رأس المال المحلي والدولي لتمويل البنية التحتية وإنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص تستند إلى أولويات التنمية الوطنية.

ثم عينت في البنك الأفريقي للتنمية كنائب أول للرئيس لشؤون الطاقة وتغير المناخ و خلال هذا الدور القاري، ضاعفنا عمليات القطاع الخاص في أقل من عامين، وأطلقنا مبادرة “من الصحراء إلى الطاقة” للاستفادة من الطاقة الشمسية في منطقة الساحل، وحشدنا أكثر من ثلاثة مليارات دولار لتمويل المناخ. كانت فترة حاسمة أثبتت قدرة البنك على القيادة بسرعة وطموح وعلى نطاق واسع.
خبرتي في البنك تمنحني ميزة فريدة وهي التعرف على المؤسسة وكيفية عملها ، مما يعني أنني جاهز من اليوم الأول للبدء في تحديثها وأنا لدي أيضاً فهم عميق للإصلاحات التي يحتاجها البنك للقيام بدور رئيسي في التحول الاقتصادي لأفريقيا في هذه الأوقات الصعبة.
وقد شغلت لاحقا منصب وزير الاقتصاد والتخطيط في السنغال خلال واحدة من أصعب الفترات في التاريخ الحديث وفي
أثناء أزمة كوفيد-19، قدت إصلاحات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ونسقت التزامات السنغال الاقتصادية الدولية، بما في ذلك تمثيل أفريقيا في اجتماعات G7 و G20، ورئاسة اللجنة التوجيهية لقمة باريس لتمويل اقتصادات أفريقيا في مايو 2021.
و كل هذه التجارب شكلت أسلوبي في القيادة، وبناء الشراكات، وتحقيق النتائج. وهي ما أعدتني للخدمة بوضوح ومصداقية والتزام بتحول أفريقيا على المدى الطويل.

3- ما هي رؤيتك الاستراتيجية للبنك الأفريقي للتنمية خلال السنوات الخمس القادمة؟

نحن نعيش عصرا لم نشهد له مثيلا ، يتسم بتوترات جيوسياسية وتجارية وبينما تخفض دول عدة ميزانياتها للمساعدات، تواجه أفريقيا فرصة عظيمة لتحقيق إمكاناتها الكاملة والاعتماد على الذات والتكامل الإقليمي.

إن رؤيتي هي أن يصبح البنك محركا لتحول أفريقيا فعليه أن يلعب دورا مركزيا في بناء قارة أكثر تكاملا واعتمادا على الذات، تخلق فرص عمل جيدة وكافية لشعوبها، خصوصاً الشباب والنساء ، ولتحقيق هذه الغاية يجب أولا تحديث المؤسسة. يجب أن يصبح البنك أسرع وأكثر كفاءة وتأثيراً في كل ما يفعله، من خلال تبسيط الإجراءات الداخلية، وتحسين الإنجاز، وتنفيذ مشاريع تحويلية تتماشى مع أكثر الاحتياجات إلحاحاً في القارة.
ثانياً، سنعمل على تعزيز القدرة المالية للبنك حيث سنحافظ على تصنيفه الائتماني من الدرجة الأولى، ونفتح مصادر تمويل جديدة، بما في ذلك زيادة رأس المال المختلط من المساهمين والأسواق ومصادر خيرية، وضمان إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة.
كما سنوسع استخدام الضمانات، وأدوات تقاسم المخاطر، وآليات التمويل المشترك، ونعزز تنفيذ الإصلاحات لزيادة فعالية صندوق التنمية الأفريقي لصالح 37 دولة منخفضة الدخل.
ثالثاً، أخطط لتعزيز مشاركة البنك مع القطاع الخاص، عبر إنشاء إدارة نائب رئيس مخصصة لعمليات القطاع الخاص، من أجل بناء محفظة مشاريع جاهزة للاستثمار والتعامل الفعال مع المستثمرين.
رابعاً، سيواصل البنك الدفاع عن أفريقيا في إصلاح النظام المالي الدولي ، وأخيرا، سنقوي الشراكات الاستراتيجية، من خلال التعاون مع بنوك التنمية متعددة الأطراف، والمؤسسات الإقليمية، والمستثمرين، والمنظمات الخيرية لتعبئة الموارد وتصميم أدوات تمويل مخصصة لاحتياجات أفريقيا.

4- ما هي خططك لتعزيز دور البنك في شمال أفريقيا، بالنظر إلى التحديات الفريدة في هذه المنطقة؟

لطالما كانت دول شمال أفريقيا من الداعمين الرئيسيين للبنك، من خلال المساهمة في رأس المال والاستفادة من استثماراته ومساعداته الفنية.
رغم أن المنطقة تتمتع بأسس اقتصادية أقوى نسبيا، إلا أنني أطمح لدعمها أكثر، لا سيما في مجالات مكافحة التضخم، تعزيز الأمن الغذائي، تحسين الوصول للمياه، وتعزيز القدرة على توفير الطاقة في المناطق الريفية.
هدفي هو تعزيز دعم البنك للمنطقة من خلال مواءمة تدخله مع الأولويات الوطنية حيث سيقوم البنك بتوسيع دوره في مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تربط شمال أفريقيا ببقية القارة مثل محطة بنبان للطاقة الشمسية أو مشروع توليد الطاقة من الرياح في قناة السويس، هي أكثر من مجرد مشاريع طاقة؛ فهي أدوات قوية لجذب الاستثمارات، وتعزيز ممرات التصنيع، وتقوية القطاع الخاص في مصر والمنطقة.
كما سأسعى إلى توسيع الدعم لطموحات المنطقة في الطاقة النظيفة، والتصنيع، والخدمات الرقمية ، فالتقدم الذي أحرزته دول شمال أفريقيا في الطاقة المتجددة والصناعة والخدمات الرقمية يشكل نقطة انطلاق لبناء سلاسل قيمة تنافسية وتوفير وظائف عالية الجودة في القارة.
كما سيكون تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص أولوية، وسيسعى البنك لدعم الشركات المحلية في التوسع عبر تحسين الوصول إلى التمويل، وتقديم الضمانات، ودعم إعداد المشاريع القابلة للاستثمار.

5- في رأيك، كيف يمكن للبنك تعزيز تعاونه مع القطاع الخاص لجذب المزيد من الاستثمارات؟

التحول الاقتصادي في أفريقيا يتطلب شراكة قوية مع القطاع الخاص. على الشركات أن تقود النمو الشامل عبر خلق فرص العمل، وسلاسل القيمة المحلية، وتنمية المهارات.
على البنك أن يكون شريكاً أقوى للمستثمرين والحكومات، من خلال التوجه نحو تهيئة الظروف الملائمة للاستثمار وليس مجرد تمويل المشاريع.
من أهم الخطوات توسيع خدمات إعداد المشاريع ، فتصميم المشاريع الجيد يقلل المخاطر ويسرع التنفيذ. يجب على البنك التعاون مع الحكومات لتطوير محفظة من المشاريع الجاهزة للاستثمار، تتماشى مع الخطط الوطنية وتكون جذابة لرأس المال الخاص.
كما أنني أعتزم إنشاء إدارة نائب رئيس مخصصة للقطاع الخاص، تكون مهمتها أوسع من التمويل، لتشمل قيادة استراتيجيات الاستثمار المشترك، والعمل مع الحكومات على إصلاحات جريئة لتحسين بيئة الأعمال، والتعاون مع الوسطاء الماليين لتوسيع الوصول إلى رأس المال للشركات الصغيرة والمتوسطة.
يجب أن يصبح البنك منصة موثوقة للاستثمارات المهيكلة والمخفضة المخاطر في أفريقيا، باستخدام أدوات التمويل الممزوج والضمانات بشكل أكثر فعالية، ومساعدة المستثمرين على التنقل وسط التعقيد بثقة.
في النهاية، يجب أن يكون البنك المكان الذي يجتمع فيه القطاعان العام والخاص لحل أكبر التحديات التنموية في أفريقيا. وسنحقق ذلك من خلال الحضور، والتجاوب، والتركيز على الإنجاز. فعندما ينجز البنك، يكسب الثقة. والثقة هي الأساس الحقيقي لجذب الاستثمارات على نطاق واسع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *