تغرق خيم النازحين في الظلمة عند حلول الليل في قطاع غزة. داخلها، عيون كثيرين تبقى مفتوحة يؤرق أصحابها أزيز المسيّرات فوق رؤوسهم وأصوات القصف الذي لا يتوقف، ويخشون ألا تطلع عليهم الشمس.
وتقول ياسمين (6 سنوات)، وهي تتشبث بوالدتها في خيمتهما البلاستيكية الصغيرة “أخاف أن يأتي الليل، أخاف أكثر ولا أستطيع النوم، دعيني أنام في حضنك، لا أريد أن أموت، احميني من الموت”، بحسب وكالة “فرانس برس”.
وتقول الأم صفاء أبو ياسين التي نزحت بداية من وسط رفح في جنوب قطاع غزة إلى غربها ثم إلى مواصي خان يونس مع بناتها الأربع، “طفلاتي أصبحن يخفن النوم حتى لا يستيقظن مرعوبات من تلك الأصوات” الناتجة عن الطيران وعن المدفعية والغارات.
وتضيف الأم “أنا خائفة على حياتهن”.
ونزح غالبية سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة من منازلهم مرة واحدة على الأقل خلال الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر بين إسرائيل وحركة حماس.
وتحاول أبو ياسين البقاء طوال الليل مستيقظة وهي تحمل طفلتها الرضيعة لُجين المولودة في أبريل الماضي والتي تستيقظ ليلا وتبكي بلا توقف.
وتقول “أحاول أن أكون إلى جانب طفلتي طوال الوقت، أحملها وأهدهدها حتى تشعر بالأمان… نحاول جميعنا أن نغني لها أغاني هادئة لتهدئتها كي تنام”.
وتوضح الأم (38 عامًا) “لا يوجد سرير حتى تنام فيه بعمق وترتاح. أخاف عليها من الحشرات والذباب والبعوض، أخاف أن تصاب بأي مرض في ظل التلوّث الذي يحيط بنا”.
وتردّد أبو ياسين في أذن طفلتها أنشودة قديمة “يلا تنام يلا تنام، وأهديكِ طير الحمام… روح يا حمام لا تطوّل رفرف على لجين تتنام”.
وتشكو بنات أبو ياسين الأخريات من الفرش التي ينمن عليها.
وتقول ريما “ننام على فرشات غير مريحة وسيئة جدا، وكأننا ننام على الأرض”.
غياب الخصوصية
ونزحت فرح شعشاعة (32 عاما) من شمال قطاع غزة نحو دير البلح في الوسط.
وتقول في خيمة في وسط دير البلح التي كانت قبل السابع من أكتوبر منطقة مزدهرة، “أشتاق لأن أنام على سريري ووسادتي”، بحسب “فرانس برس”.
وتضيف الشابة الثلاثينية “أودّ أن أختبر مجددا شعور الاستحمام العادي وألا يكون هناك وقت محدد للاستحمام… كنا نستحمّ مرة واثنتين وثلاث في اليوم. اليوم، نمكث أياما لا نستطيع الاستحمام خلالها وننتظر دورنا”.
وتشكو شعشاعة من غياب الخصوصية. “الآن جميعنا في خيمة واحدة صغيرة المساحة… هناك من يشخر أثناء النوم ويزعجنا ومنهم من يستيقظ ويصرخ ويبكي من الخوف، وهناك من يعانون من الأرق ويثرثرون ويزعجون الجميع”.
أما رامي الذي نزح مرارا خلال الحرب فيعيش اليوم مع 27 فردا من عائلته في خيمة مساحتها ستة أمتار في أربعة أمتار.
ويقول رامي الذي اكتفى بإعطاء اسمه الأول “قبل الحرب، كان لكلّ منّا غرفته الخاصة”، مضيفا “الآن ننام جميعا على حصيرة بلاستيكية وبطانية وفراش اسفنجي”.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة في مايو، فإن أكثر من 55 في المئة من المباني في قطاع غزة دُمّرت كليا أو جزئيا.
وأصبحت الخيام التي قدمت بعضها المنظمات الدولية، أماكن لإقامة النازحين. فيما اشترى عدد كبير من السكان خيامهم بأسعار مرتفعة للغاية.
وتفرض إسرائيل حصارا مطبق على قطاع غزة منذ اندلاع الحرب، الأمر الذي منع دخول المواد الأساسية بما فيها مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار أو تصليح المساكن. علما أن القصف متواصل في مناطق مختلفة من القطاع، ودخول المساعدات الإنسانية نادر وكميتها قليلة جدا.
ويضطر العديد من سكان قطاع غزة إلى النوم على أنقاض المباني المدمّرة وحتى في الشوارع حيث تنتشر الحشرات والذباب ومياه الصرف الصحي.
حبوب منوّمة
بالنسبة للأخصائية النفسية في منظمة “أطباء العالم” إيمان الأخرس “غالبا ما يفتقر الناس إلى الضرورات الأساسية للنوم الجيد مثل الخصوصية والتحكّم بدرجة الحرارة والظلام والهدوء”.
وتوضح أن المرضى كثيرا ما يطلبون الحبوب المنوّمة.
وتضيف لوكالة فرانس برس “هناك من لا يستطيع النوم حتى لا يموت، فكثيرون ماتوا أمام أعينهم وبالتالي، يشعر هؤلاء أن عليهم البقاء مستيقظين حتى يتمكنوا من الهروب في حالة الخطر”.
وبحسب الأخرس، هناك خطر متزايد للإصابة بمتلازمة الإجهاد ما بعد الصدمة، والاضطرابات المعرفية، وتأخر النمو لدى الأطفال، وكلها ناجمة عن الحرمان من النوم لفترة طويلة مع احتدام الحرب.
ويقول محمد عبد المجيد النازح من مدينة غزة “اختلف الأمر كلياً الآن” مقارنة بحياته قبل اندلاع الحرب.
ويضيف عبد المجيد الذي نزح مع عائلته المؤلفة من 30 فردا بأسف “كنا نعيش داخل منزل برفاهية ومناخ صحي، اليوم الوضع اختلف 360 درجة”، مضيفا “لم نتخيل أن نعيش كل هذه المعاناة”.