اقتصاد

أزمة غاز تخنق “رئة الحكومة” و”انتعاشة نفطية” قد تكون طوق النجاة

كانت الحكومة تنتظر انطواء فصل الصيف بفارغ الصبر؛ لتعاود تصدير الغاز مجددًا؛ بُغيةَ إنعاش خزينة الدولة بالعملة الصعبة، وذلك بعدما قررت إيقاف تصديره لسد العجز الناجم عن زيادة الاستهلاك المحلي لحل “أزمة الكهرباء”.

لكن أتت الرياح بما لا تشتهيه السفن، فبينما تواجه الحكومة صعوبة في تدبير العملة الصعبة، واصلت الصادرات المصرية تراجعها إلى 18.1 مليار دولار خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي مقابل 24.060 مليار دولار خلال الفترة المناظرة من العام السابق، بانخفاض قارب 6 مليارات دولار، مدفوعًا بانكماش الصادرات المصرية لعدد من الأسواق العالمية.

انخفاض صادرات الغاز

وفي تقرير اطلعت عليه “البورصجية”، أرجعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية انخفاض القيمة الإجمالية للصادرات خلال تلك الفترة إلى انخفاض حاد في صادرات مصر من الغاز الطبيعي بنسبة 75.6% والذي يعود إلى التراجع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية بنسبة 61.2 %، بجانب انخفاض الإنتاج والارتفاع الواضح في الاستهلاك المحلي، إذ انخفض الإنتاج من 4184.2 ألف طن في أبريل 2022 إلى 3746 ألف طن في أبريل 2023.

ووفق أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أكبر تراجع في الصادرات المصرية كان من نصيب الصادرات البترولية التي هبطت إلى حدود 3.9 مليار دولار خلال الأشهر الخمس الأولى من عام 2023 مقابل 8.2 مليار دولار خلال الأشهر المناظرة من العام السابق عليه، بفارق 4.3 مليار دولار.

واحتلت صادرات الغاز الطبيعي المرتبة الأولى بين الصادرات المتراجعة، بعدما فقدت 2.4 مليار دولار، لتسجل 2.2 مليار دولار خلال الأشهر الخمس الأولى من العام الحالي، مقابل 4.7 مليار دولار خلال الأشهر المناظرة من العام السابق.

وكشف البيانات أن صادرات الغاز الطبيعي والمسال وصلت إلى 207.2 مليون دولار خلال مايو الماضي مقابل 683.8 مليون دولار مايو 2022 بنسبة انخفاض بلغت 69.7 %.

وأدى تراجع قيمة صادرات الغاز إلى انخفاض قيمة الصادرات الإجمالية للدولة بنسبة 44.9% خلال أبريل، ليكون التراجع الثالث على التوالي، بعد هبوط قيمة الصادرات بنسبة 34.6% في مارس.

وكانت وكالة “فيتش” قد خفضت الشهر الماضي توقعاتها لإنتاج الغاز في مصر خلال عام 2023 بواقع 4 % بعد أن توقعت في وقت سابق ارتفاعه 1 % على أساس سنوي، معللةً قرارها بانخفاض الإنتاج وارتفاع معدلات النضوب في الحقول الحالية.

انتعاشة نفطية تعوض تراجع الغاز

في المقابل، واصل إنتاج النفط في مصر تسجيل مستويات قياسية مدعومًا بتكثيف وتيرة الحفر وخطط زيادة الإنتاج، فقد قفزت إلى أعلى مستوياته خلال العام الجاري 2023، ليصل بصورة إجمالية إلى 582 ألفًا و700 برميل يوميًا، مسجلا أعلى مستوى له خلال العام الجاري 2023.

وأسهمت الصحراء الغربية -منطقة رئيسة بالنسبة لإنتاج القطاع- بنحو 289 ألفًا و300 برميل يوميًا، خلال شهر يونيو الماضي، ما يمثّل أعلى مستوياتها الإنتاجية خلال 12 شهرًا.

ويعود ذلك إلى تكثيف عمليات الحفر لزيادة معدلات الإنتاج الحالية المرتفعة، في ظل توقعات بأن يشهد النصف الثاني من العام (من يوليو حتى ديسمبر) إضافة المزيد من النجاحات لمعدلات الإنتاج، حسب مجلة “ميس – Mees” الأمريكية.

وكشفت بيانات رسمية، أن الحكومة تستهدف رفع قيمة الصادرات البترولية لتصل إلى 21 مليار دولار في العام الحالي، بزيادة مقدارها 15 في المئة على أساس سنوي، من 18.2 مليار دولار في العام الماضي، وتستهدف زيادة أخرى بنسبة 15 في المئة خلال عام 2024، لتبلغ قيمة الصادرات البترولية إلى 24 مليار دولار.

شائعات حول “ظُهر” والحكومة تنفي

إلى ذلك، ترددت أنباءٌ غير سارة من جهة حقل “ظُهر”، الذي يعد أكبر حقل للغاز في البحر المتوسط، والذي يمثل نحو 38 % من إنتاج الغاز في مصر، فقد أفادت تقارير بتراجع إنتاجه إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023، منخفضا في الفترة من يناير إلى مايو بواقع 9 % على أساس سنوي و12 % مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021، وفق ما ذكرته منصة “ميدل إيست إيكونوميك سيرفاي” المختصة في أخبار صناعة الغاز.

وقد بدأ الإنتاج المبكر من الحقل عام 2017 بمعدلات حوالي 350 مليون قدم مكعب غاز يوميا، واستمر في الزيادة تدريجيا بعد دخول عدد 19 بئرا على الإنتاج، وتُقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعب وتبلغ قدرته الإنتاجية 3.2 مليار قدم مكعب يوميا، وبلغ إنتاجه مستوى قياسيا عند 2.76 مليار قدم مكعبة يوميا في الربع الثالث من عام 2021، لكن إنتاجه تراجع حاليا إلى 2.3 مليار قدم مكعبة يوميا.

لكنّ المركز الإعلامي لمجلس الوزراء نفى تمامًا ما تردد حول وجود مشكلات تقنية في الحقل، تسببت في تراجع طاقته الإنتاجية. وقال مسئول في شركة الطاقة الإيطالية “إيني”، إن المجموعة لا تواجه أي مشكلات في الإنتاج بحقل ظهر المصري للغاز.

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن إنتاج الغاز في مصر يقدم جزءا كبيرا من احتياجات البلاد، مؤكدا أنه لولا إنتاج الدولة من الغاز لكانت ستعاني أزمة كبيرة.

ومع ذلك تواجه سوق الغاز في مصر تحديات ترتكز على ثلاثة نقاط رئيسية، هي ارتفاع الاستهلاك الداخلي بسبب موجات الحر الشديدة، وتراجع الاستكشافات في السنوات الأخيرة وتراجع إيرادات الغاز بسبب تراجع الاسعار في أسواق أوروبا.

وكان وزير البترول طارق الملا، قد توقع في تصريحات سابقة انخفاض إيرادات البلاد من صادرات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 50 % هذا العام، نظرا لتراجع الأسعار العالمية، وقد انخفضت الأسعار بنحو الثلثين مقارنة مع المستويات القياسية التي سجلتها في 2022.

الكهرباء تستنزف الإنتاج

ويستحوذ قطاع الكهرباء على نحو 58.3 % من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن الشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” للعام المالي الماضي 2021-2022.

وأعلنت الحكومة العام الماضي قرارا بترشيد استخدام الكهرباء حتى تتمكن من تصدير مزيد من الغاز لكنها قالت الشهر الماضي إنها ستوقف الصادرات حتى الخريف لتلبية الطلب المحلي.

وفي السابع والعشرين من يوليو الماضي، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن شهور الصيف تشهد توقف تصدير الغاز بالكامل، بسبب زيادة حجم الاستهلاك، على أن يُستأنف تصدير الفائض منه في باقي فصول السنة.

وقال الرئيس السيسي خلال لقائه عددًا من أهالي مطروح يوم الأربعاء الماضي (16 أغسطس) إن الحكومة لجأت إلى تخفيف الأحمال؛ لأن حجم الوقود المطلوب لتشغيل المحطات أصبح عبئًا على الدولة بعد زيادة أسعار الوقود. وأضاف: “نحن نبيع الوقود بالجنيه المصري، لكننا نشتريه للمحطات ولكل السيارات بالدولار”.

وصرح وزير البترول طارق الملا بأن الدولة تستهدف استئناف صادرات الغاز الطبيعي المسال بحلول أكتوبر، مع بداية الخريف، مؤكدا أن مصر عادة لا تصدر الغاز في أشهر الصيف باستثناء العام الماضي.

وكان الخبير الاقتصادي مدحت نافع، الرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، قد عمل على استراتيجية للطاقة، جاء في ملخصها أن هناك احتياجا لتوفير احتياطات جديدة، نتيجة ندرة متوقعة في إنتاج الغاز، موضحا أن محطات الكهرباء تستهلك من 70 إلى 75 % من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى تأثير مباشر على شبكة الكهرباء.

حقولنا من أفضل القوى البترولية بالعالم

وقال رئيس شعبة المواد البترولية، حسن نصر، إن الدولة لديها غاز يكفي الإنتاج المحلي من الكهرباء، لكنها شهدت منذ مطلع النصف الثاني من العام الجاري حجم استهلاك كبيرا وقياسيا، صعّب من توفير الإمدادات المطلوبة من الغاز للكهرباء، منوهًا إلى عدم الجاهزية لتوفير تلك الإمدادات بالتوقيت الحالي، إذ يبلغ استهلاك الغاز 130 مليون متر مكعب يوميًا.

وأضاف أن حقل “ظهر” وغيره من الاكتشافات الجديدة، أسهم بشكل كبير في زيادة إنتاج الغاز المصري وتصديره إلى أوروبا في فصل الشتاء. وأكد أن حقول الغاز المصرية أصبحت تصنف ضمن أفضل القوى البترولية على مستوى العالم، مشيرًا إلى القوة المحلية بمحطتي إسالة الغاز بـ إدكو ودمياط لتصديره على المستوي العالمي.

إلى ذلك، تستعد شركة الطاقة الإيطالية “إيني” للبدء في أعمال حفر بئر استكشافية جديدة للغاز الطبيعي بمنطقة امتياز شمال شرقي حابي البحرية شرق البحر المتوسط خلال سبتمبر المقبل، فيما تسعى شركة “شيفرون” للطاقة لاستكشاف مزيد من الغاز الطبيعي قبالة سواحل قبرص ومصر وإسرائيل.

وحققت الشركتان كشفا مهما للغاز الطبيعي قبالة السواحل المصرية في شرق البحر المتوسط خلال يناير الماضي. ولم يعلن رسميا عن حجم الاحتياطات المتوقعة، فيما أشارت تقارير غير مؤكدة أن احتياطات الحقل تصل إلى 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *