سلايدرمصر

أزمة الكتب الخارجية… كيف أسهمت وزارة التعليم في صناعتها رغم “الحلول”؟

منذ ظهور ما يسمى “الكتب الخارجية” في عام 1962، اكتسبت ثقةً وشعبيةً كبيرتين، في مقابل الكتب المدرسية الرسمية، التي اتّسمت بفقر المعلومات والأنشطة، ما تسبب في عزوف الطلاب عنها.

ذلك القبول الشعبي الذي لاقته “الكتب الخارجية”، أشعر وزارة التربية والتعليم بالخطر، ودفعها إلى إصدار قرار في العام ذاته، يلزم دور النشر والمؤلفين بإخلاء السوق مما سماها “الكتب المتسلقة” في موعد أقصاه يناير من عام 1963.

ثمّ أصدرت الوزارة قانونًا في العام الذي يليه بمنع طبع أو نشر أو بيع أو عرض كتاب يحتوي على كل أو بعض المناهج التعليمية المقررة في المدارس الرسمية أو الخاصة التي تديرها أو تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، ويتضمن عقوبةً بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن يخالف ذلك، فضلا عن مصادرة تلك الكتب.

أسهم الثقة تتصاعد

ومع ذلك، ظلّ هذا القانون كعدمه أمام صعود “أسهم الثقة” التي اكتسبتها هذه الكتب من قبل المواطنين، إلى أن وقعت أول مواجهة حقيقية بين الوزارة ومروجي الكتب الخارجية. فقد أصدرت الوزارة عام 1988 قرارا لوضع القانون السابق صدوره موضع التنفيذ، وهو ما اعتبره مروجو الكتب الخارجية قنبلة شديدة التدمير في دعوى قضائية اختصمت الوزارة، وطالبتها بالعدول عن ذلك القرار.

عامًا تلو الآخر، وجدت وزارة التعليم نفسها أمام قوةٍ تتنامى بدعمٍ شعبي، فقررت أن تمنح هذه الكتب الترخيص، وأن تجعلها تحت مظلتها، وكان كتاب “الوسام”، أول كتاب خارجي يحصل على ترخيص من وزارة التربية والتعليم في عام 2010. وبدا أن الوزارة استسلمت، غير أنها قررت تغير خطة المواجهة، ففرصت رسومًا كبيرة على دور النشر مقابل ترخيص هذه الكتب، في قرار استهدف تحقيق أكبر استفادة مادية ممكنة للوزارة من جهة، ومن جهة أخرى اعتُبر وسيلة تعجيز وتحجيم.

كان ذلك في عهد الوزير أحمد زكي بدر، الذي فوجئ في شهر يوليو عام 2010 بإنذار قانوني على يد محضر، من 24 مدعيا بين صاحب دار نشر ومؤلف مناهج وموزع كتب، يحذرونه من الإصرار على تحصيل مبالغ مالية تحت مسمى “حقوق الملكية الفكرية”، ويؤكدون في إنذارهم رفضهم دفع الرسوم التي حددها الوزير، والتي تبدأ من 450 ألف جنيه وحتى مليون و800 ألف جنيه عن الكتاب الواحد.

وقال أصحاب الإنذار إن اشتراط الوزير الحصول على حقوق الملكية الفكرية قبل السماح بتداول الكتاب الخارجي، كبَّد أصحاب دور النشر والمطابع والموزعين وأصحاب المكتبات خسائر مالية فادحة، مؤكدًا أن الأموال التي حددتها “التعليم” تتجاوز حجم مكاسبهم السنوية. واعتبروها “إتاوة مرفوضة”.

ثم غضّت الوزارة الطرف عن هذه الكتب، بحُكم مقاومة الناشرين والدعم الشعبي لها، حتى كان عهد الوزير طارق شوقي الذي قرر إلغاء تراخيص الكتب الخارجية تماما في نظام التعليم الجديد، حتى يتم الاعتماد على كتب الوزارة، التي ستكون كافية للطالب حسب وصفه.

لكنّ تصريحات الوزير قوبلت بتجاهل شعبي تام، فقد غزت الكتب الأسواق وأقبل المواطنين على شرائها رغم ارتفاع أسعارها، معتبرين أن تصريحات الوزير حول تطوير الكتب المدرسية وأنها ستغني الطالب عن الكتب الخارجية “تصريحات مكررة”، ما يعكس انعدام الثقة.

الأسعار تبلغ مستويات قياسية

غير أن المواطن الذي هو الداعم الشعبي الرئيس لهذه الكتب، والذي لولاه –بجانب المدرسين- ما قويت شوكتها، أصبح يشكو لهيب أسعارها التي بلغت أسعارًا قياسية بزيادة لامست 70 %. وبلغت أسعار بعض الكتب الخارجية أرقاماً كبيرة، من بينها مجموعة كتب شهيرة في مادة الرياضيات للثانوية العامة، يبلغ سعرها الجديد 850 جنيها بنسبة ارتفاع تجاوزت 300 % مقارنة بأسعار العام الماضي، فيما بلغت أسعار ملخصات خاصة بالصف الأول الابتدائي 150 جنيها، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 3000 جنيه.

ومع تزايد الإقبال على اقتناء الكتب الخارجية، قرر أصحاب محال بيع الكتب المستعملة رفع أسعارها بنسب تتراوح بين 50 و100 %، معللين ذلك بمبدأ “النسبة والتناسب”، إذ إن أسعار الكتب الجديدة تضاعفت استعدادا لحلول العام الدراسي المقرر أن يبدأ رسمياً في أكتوبر القادم.

إلى ذلك، انتشرت مبادرات أهلية بقصد التخفيف من وطأة الأزمة، يعتمد بعضها على تصوير الكتاب الخارجي الجديد، وإتاحته عبر مواقع التواصل بالمجان، واعتمدت مبادرات أخرى على قيام جمعيات خيرية وأفراد متطوعين بجمع الكتب المستعملة من الطلاب، وتوصيلها لمن يريد من غير القادرين على الشراء.

الورق بريء أم متهم؟

هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار، عزاها أحمد جابر، عضو غرفة صناعة الطباعة والتغليف باتحاد الصناعات، إلى ارتفاع سعر طن الورق، الذي شهد زيادات سعرية بنحو 400 % خلال الفترة الماضية، إذ كان يباع الطن بـ10 آلاف جنيه، وحاليًا وصل إلى 45 ألف جنيه.

وعلى النقيض من كلامه، قال عمرو خضر رئيس شعبة الطباعة والورق بغرفة القاهرة التجارية إن أسعار الورق هذا العام لم تشهد زيادة، بل إن الورق المحلّي الذي تنتجه شركتا “قنا” و”إدكو” الحكوميتان أسعاره ثابتة منذ بداية العام.

وأضاف أنه “حتى الورق المستورد انخفض سعره بنسبة تتراوح بين 25 % و30%، بدءا من شهر مارس وحتى الآن، فقد كان سعر الطن بين 1020 و1030 دولارا، وأصبح بين 770 و760 دولارا وهي أسعار آخذة في الانخفاض”.

وتابع “سعر الورق المحلي يقل بنحو ألفٍ إلى ألفيْ جنيه عن المستورد، وهناك تقارب كبير بينهما في الخامة، بالرغم من ارتفاع العملة وكل المعطيات الاقتصادية، فلا يوجد أي سبب واقعي ومنطقي للارتفاع”

لكنّ تجارًا أبلغوا عن زيادة سعر طن الورق المستورد بمقدار خمسة أمثال ما كان عليه في العام الماضي، ارتفاعا من 12 ألف جنيه تقريبا إلى 60 ألف جنيه.

وأرجع التجار اعتمادهم على المستورد إلى عدم قدرة الصناعة المحلية على إشباع السوق من جهة، فضلا عن أن الورق الذي تصنع منه الكتب الخارجية مختلف من حيث النوع الجودة عن ذلك الذي تصنع منه الكتب الحكومية من جهة أخرى.

لكن عمرو خضر يؤكد أن الإنتاج المحلي يغطي أكثر من 90 % من حاجة السوق، وأن الاستيراد ما هو إلا إجراء تكاملي لتفادي العجز، لكن لا يعتمد عليه كضرورة أساسية، مضيفا أن أسعار الورق في الأسواق العالمية ستشهد خلال الأيام المقبلة انخفاضًا في الأسعار وهو ما يترتب علية انخفاض سعر الورق المحلي أيضا.

أما بركات صفا، عضو شعبة الأدوات المكتبية بالغرف التجارية، فقد أكد ارتفاع سعر مستلزمات الإنتاج كالورق والطباعة، وأضاف أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، تسبب في زيادة أسعار الورق من 15 ألف جنيه للطن، إلى 40 ألفًا. لكنه في المقابل نفى زيادة الأسعار بالأرقام المبالغ فيها المتداولة بين الناس، قائلا إنه “لا يوجد كتب بتلك الأسعار”، وإن “أعلى سعر لأي كتاب لا يتجاوز 260 جنيها” حث سجلت الزيادة في الأسعار نسبة 10%.

هل يمكن التعاون؟

هنا يسأل النائب أحمد عبد السلام قورة: “هل فشل أباطرة وخبراء وأساتذة الجامعات المصرية في تطوير المناهج التعليمية بما لا يؤدى إلى استعانة الطلاب بالكتب الخارجية؟ ومن المسؤول عن انتشار هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أي تطوير وتحديث في المناهج التعليمية لأن استمرارها يؤكد فشل سياسات تطوير وتحديث المناهج التعليمية؟”.

وإذ يسأل أيضا عما إذا كانت الكتب الخارجية تخضع للمراجعة من قبل وزارة التعليم، ومن الذي يحدد أسعارها، فإنه يقدم اقتراحا منطقيا، يمكن صوغه في سؤال: لماذا لا تتواصل وزارة التعليم مع مؤلفي الكتب الخارجية وتعقد معهم بروتوكول تعاون من أجل تطوير المناهج التعليمية، بحيث نغلق ذلك الباب تماما؟

النائب محمد عبد الله زين الدين، كرر السؤال ذاته: لماذا لا تستعين وزارة التربية والتعليم بخبراء الكتب الخارجية في تطوير مناهج الوزارة على النحو الذي يؤدي لاعتماد الطلاب عليها؟

هناك سؤال مهم أيضا: كيف تملأ الكتب الخارجية الأسواق قبل كتب الوزارة؟ ومن أين يعلمون بالمحتوى؟

يرد مصدر من “رابطة أصحاب الكتب الخارجية” بالقول إن أغلب شركات الكتب الخارجية يكون لديها معلومات بتعديلات المنهج قبل التعديل، ويكشف الكاتب الصحفي زكي السعدني، المتخصص في شؤون التعليم، أن المناهج تُسرَّب قبل طباعتها في الوزارة، موضحًا أن أصحاب الكتب الخارجية “كانوا يأخذون المنهج ويطبعونه قبل أن تطبعه الوزارة نفسها”.

وتتسبب الثقة الكبرى التي يوليها الأهالي والمدرسون للكتب الخارجية في إهدار مليارات الجنيهات التي تنفقها وزارة التعليم على الكتب المدرسية، بسبب إهمالها والعزوف عنها.

وبحسب ملاحظات لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، على مشروع الموازنة العامة للدولة 2023/2024، خفضت وزارة التعليم التكلفة الخاصة بطبع الكتب للعام المقبل من مبلغ 25.2 مليار جنيها إلى 10.5 مليار جنيها وهو أقصى تخفيض تم التوصل إليه.

وفي هذا الصدد، تبنى العديد من النواب مقترحًا أن تعيد الوزارة تدوير الكتب الدراسية بين الطلاب في الأعوام المقبلة لنفس الأسباب والمبررات التي اتخذت بها الوزارة عدة إجراءات، لتخفيض التكلفة.

وشملت الإجراءات: توحيد وتخفيض المواصفة الفنية للكتب، تخفيض عدد صفحات الكتب وتفعيل المحتوى الإلكتروني والتحول الرقمي، التفاوض مع الشركات المالكة لحقوق الملكية الفكرية لتخفيض نسب حساب حقوق الملكية الفكرية للكتب طبقا لسعر المناقصة هذا العام لتصل لنسبة 30% للكتب بدلًا من 100%.

وتساءل النائب محمد عبد الله زين الدين أيضا “إذا كانت كل هذه المخصصات المالية تذهب لطباعة الكتب المدرسية فلماذا يذهب الطلاب إلى الكتب الخارجية، وهل أصبحت وزارة التربية والتعليم عاجزة على طباعة كتب مدرسية تغني الطالب عن الكتب الخارجية من حيث المحتوى والشرح والتوضيح؟”.

التعليم لا تمانع التعاون

لكنّ الوزارة كان لها رأي آخر، فقد أعلن الوزير رضا حجازي عن توفير مواد تعليمية وتدريبية في صيغة كتيبات “بي دي إف” على موقع الوزارة، موضحا أن الكتيبات سوف تحتوي على أنشطة تدريبية ومواد تعليمية تتضمن شرحا تفصيليا أكثر عمق للمناهج والكتب الدراسية لمختلف الصفوف الدراسية؛ من أجل تحقيق أعلى درجات التحصيل الدراسي.

وقالت مصادر بالوزارة لمنصة “كشكول” التعليمية، إن الوزارة وفرت بدائل تجعل الطلاب لا يستعينون بالكتب الخارجية، من خلال عدد كبير من المنصات التعليمية التي تساعد الطلاب في فهم المقرر الدراسي والتدريب على مخرجات التعلم.

وقال الكاتب الصحفي رفعت فياض، المتخصص في شئون التعليم، خلل تصريحات متلفزة إنه تحدث مع الوزير حجازي حول ظاهرة انتشار الكتب الخارجية، مؤكدا أن الوزير أعرب عن استعداده لرفع الكتاب الخارجي الذي يساعد الطالب، على منصة الوزارة مع حفظ حقوق الناشر ما دامت هناك منفعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *