سلايدرملفات وحوارات

أزمة الغاز تخنق مصانع الأسمدة مجددا… ما الأضرار المتوقعة على الاقتصاد؟

للمرة الثانية، خلال أقل من شهر، أوقفت العديد من شركات الكيماويات والأسمدة في مصر العمل مؤقتا في مصانعها بسبب أزمة الطاقة في البلاد.

فقد أعلنت شركات الصناعات الكيماوية المصرية “كيما”، ومصر لإنتاج الأسمدة “موبكو”، وسيدي كرير للبتروكيماويات “سيدبك” وأبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، عن توقف العمل بمصانعهما مع توقف إمدادات الغاز الطبيعي، ما يعكس حجم الأزمة التي تمر بها البلاد حاليًا.

وكانت الحكومة زادت عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي اليومية بشكل مفاجئ إلى 3 ساعات بدلا من المعدل المعتاد وهو ساعتان، وذلك لمواجهة ارتفاع الاستهلاك بالمنازل خلال موجة الحر، ما تسبب في اندلاع موجة عارمة من الغضب في الشارع المصري.

وإثر تلك الموجة من الغضب تحركت الحكومة بشكل عاجل لتهدئة المواطنين، إذ خرج رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في كلمةٍ مصورة إلى الشعب، وقف بجواره فيها وزيرا الكهرباء والبترول، ليعتذر إلى الشعب ويوضح الكواليس الحقيقة لما حدث.

وقال مدبولي، إن فترات الانقطاع الممتدة لثلاث ساعات ستستمر حتى نهاية يونيو، قبل أن تعود إلى ساعتين في النصف الأول من يوليو المقبل مع هدف توقفها تماما خلال ما تبقى من فصل الصيف.

مدبولي أشار في كلمته إلى أن “أحد حقول الغاز فى دول الجوار خرج عن الخدمة، وحدث به عطل، فتوقف عن العمل أكثر من 12 ساعة، وهو ما أدى إلى زيادة فترة انقطاع الكهرباء” المفاجئة.

وأكد أن الدولة توقفت عن تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى دول الجوار خلال فصل الصيف، بهدف تلبية احتياجات تشغيل محطات إنتاج الكهرباء المتزايدة بشكل كبير خلال الفصل الذي يشهد موجات حارة غير مسبوقة.

وأضاف “في الشتاء يكون عندنا فائض نستطيع تصديره، لكن مع الصيف وزيادة الطلب والاستهلاك توقفنا عن التصدير في الصيف وصرنا نستورد من دول الجوار حجما لا بأس به لتغطية احتياجات الدولة”.

أزمة الغاز

تعاني مصر منذ الصيف الماضي من أزمة في إنتاج الكهرباء، دفعت وزارة البترول والثروة المعدنية إلى اتخاذ قرار بوقف صادرات الغاز الطبيعي المسال اعتبارا من مايو 2024.

كان متوسط إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال العام الماضي 6.2 مليار قدم مكعب يوميا، بينما كان متوسط حجم الاستهلاك المحلي نحو 5.9 مليار قدم مكعب يوميا، حسب وزارة البترول والثروة المعدنية، التي أشارت إلى استحواذ إنتاج الكهرباء على أكثر من نصف استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد.

والغاز الطبيعي المستخدم في مصانع الأسمدة، ليس فقط مجرد طاقة إنتاجية، بل هو مدخل إنتاج يتم تحويله إلى سماد، حسب عبدالمطلب، والذي قال إن “توقف الغاز، سيُحرم الاقتصاد المصري ليس فقط من صادرات الأسمدة، ولكن أيضا من توفير مستلزمات الإنتاج الضرورية للزراعة المصرية”.

ودفعت أزمة نقص الغاز في مصر أسعار الأسمدة في السوق الحرة إلى الارتفاع بنحو 54 بالمئة خلال شهر يونيو الجاري، لتصل إلى 20 ألف جنيه للطن مقابل 13 ألفاً في مايو، وفق ما نقل موقع تلفزيون الشرق/بلومبرغ عن مسؤول حكومي ورؤساء شركات متخصصة بإنتاج الأسمدة.

وقال رؤساء هذه الشركات إن انخفاض الكميات المنتجة من الغاز محلياً أثر بشكل كبير على تشغيل المصانع، وبالتالي عدم الوفاء باحتياجات السوق في الوقت الذي زاد فيه الطلب على السماد من أجل المحاصيل الصيفية، ما أدى إلى رفع أسعار السماد في السوق الحرة.

فيما أرجع المسؤول الحكومي ارتفاع أسعار السماد الحر إلى اضطرار مصر لاستيراد الغاز المسال المستخدم لشغيل مصانع الأسمدة، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه الذي انعكس زيادةً بتكاليف مدخلات الإنتاج.

ومن المتوقع، مع حدوث انخفاض فى إمدادات الأسمدة من المصانع، أن ترتفع الأسعار ، وفقا لمستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، محمد فهيم، الذي وصف ذلك الارتفاع بـ”المؤقت لحين استئناف التشغيل مرة أخرى”.

وسجلت أسعار الأسمدة في السوق الحرة بمصر زيادة تتراوح بين 38 إلى 62% خلال الشهر الأخير بحسب نقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن، الذي أكد أنه حال زيادة فترة توقف مصانع الأسمدة عن العمل فإن الأسعار سترتفع مجددا.

وانتقد نقيب الفلاحين “الغياب التام لدور مجلس النواب الرقابي” في ظل ارتفاع جنوني لأسعار المستلزمات الزراعية مع عدم وصول الأسمدة المدعمة إلى مستحقيها بالصورة المرضية، ما يبشر بصيف حزين لكل الفلاحين والمهتمين بالشأن الزراعي في مصر.

غضب نيابي

في مجلس النواب نوقشت الأزمة، فقد تقدمت عضو مجلس النواب، النائبة سمر سالم، بطلب إحاطة موجه إلى كل من رئيس الحكومة ووزير البترول، بشأن تأثير أزمة إمدادات الغاز على غلق مصانع الأسمدة وإنذار بخلق أزمة في سعر السماد والمحاصيل الزراعية.

وقالت النائبة في طلب الإحاطة إن أزمة الغاز الطبيعي التي تواجهها مصر رغم امتلاكها أكبر حقوله في المنطقة، لم تؤثر فقط على خدمات الكهرباء والطاقة، بل أثرت بالفعل على صناعة مهمة مثل الأسمدة فطالت قطاع الطاقة والصناعة والزراعة أيضًا، لما يؤثر من ضرر ذلك على المحاصيل الزراعية نتيجة عدم توافر السماد.

وكشفت النائبة عن تراجع حجم إنتاج الغاز في مصر منذ شهر مايو الماضي، حيث وصل إلى 5.8 مليار قدم مكعبة يوميا، في أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات، بعد أن وصل إلى الذروة 7.2 مليار قدم مكعب يوميا في سبتمبر 2021، وهو ما يشكل تراجعا  بنسبة 20%.

وقالت إن “علينا أن نعترف بتراجع حجم إنتاج الغاز في مصر رغم حقل ظهر الذي انخفض إنتاجه بشكل كبير دون وضوح الأسباب”.

كما تقدم النائب محمود عصام بطلب إحاطة مماثل، حذر فيه من موجة ارتفاع جديدة في أسعار الغذاء، جراء توقف مصانع الأسمدة عن العمل، متسائلا “ما حجم الخسائر التي طالت الشركات والمصانع نتيجة عدم استقرار إمدادات شبكات الغاز الطبيعي؟ وما تأثير توقفها عن الإنتاج لمدد متفاوتة ببعض المصانع على السوق المحلي واحتياجاته والتصدير أيضاً وعلى أسعار الغذاء؟”.

من جهته، قال النائب مصطفى بكري إنّ توقف عمل مصانع الأسمدة بسبب وقف إمدادات الغاز يمثل رسالة سلبية للاستثمار الخارجي، لافتا إلى أن هذا التطور يُظهر مصر عاجزة عن توفير الغاز الذي يُمثل عنصرًا أساسيًّا في تشغيل هذه المصانع.

وأوضح في تصريحات متلفزة، أنه كان يتوجب على الحكومة أن تكون قد استعدت لهذا الأمر، مؤكدا أن ما حدث لا يصيب المصانع بخسائر اقتصادية كبيرة فحسب، بل هو رسالة سلبية للمستثمر العربي والأجنبي.

وكانت مصر قد أعلنت في عام 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، خصوصا مع بدء الإنتاج من حقل “ظهر”، حيث صدّرت بعد ذلك بثلاث سنوات، أول شحنة غاز مسال إلى أوروبا بعد توقف دام 8 أعوام.

وزعمت تقارير أن إنتاج الدولة اليومي من الغاز الطبيعي، تراجع بسبب بعض المشكلات الفنية في حقل ظهر،  إلا أن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني، أكد أن الحقل ليست به أي مشكلة.

وأشار في تصريحات تلفزيونية، قبل أيام، إلى أن توقف الحقل عن العمل ردت عليه الحكومة ممثلة في وزير البترول والثروة المعدنية قبل ذلك، وأكدت أن الحقل لم يتوقف عن العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *