قلّت حدّة أزمة الكهرباء بشكل ملحوظ، وصارت فترات تخفيف الأحمال قليلةً بالمقارنة مع الوضع الذي سبق الإعلان عن جدول انقطاع التيار، على نحوٍ يشي بأن العد التنازلي للأزمة قد بدأ، خصوصا بعدما تقرر استئناف استيراد المازوت مجددا.
ولا تزال الشركة القابضة لكهرباء مصر برئاسة المهندس جابر دسوقي تبحث عن حل نهائي للأزمة التي أثارت غضبا واسعا بين المواطنين، على الرغم من أنها ليست مسؤولة عنها بحسب ما أعلنته وزارة الكهرباء، التي أكدت مرارًا أن المشكلة تكمن في نقص الوقود (الغاز والمازوت) اللازم لإنتاج الكهرباء.
وسبق أن كشف الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، أن أزمة الكهرباء هي أزمة نقص وقود، ولا توجد مشكلة في الشبكة الكهربائية، مؤكدا أن الشبكة قادرة على توليد حتى 20 ألف ميجا واط زيادة على استهلاك المواطنين الحالي الذي تجاوز 35 ألف ميجا واط. وقال شاكر، إن مصر لديها إمكانات لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة 350 جيجاوات، وفي مجال الطاقة الشمسية إمكانات لإنتاج 650 جيجاوات، وهو ما يعني أن هناك وفرة في الكهرباء، لكن هذه الوفرة تبقى كعدمها إذا لم يتوفر الوقود اللازم لإنتاجها.
خطة عاجلة لإنهاء الأزمة
وفي هذا الشأن وضعت الوزارة خطة عاجلة لإنهاء أزمة الانقطاعات الناتجة عن نقص الوقود، وذلك بالاعتماد على حلول بديلة وسريعة لخفض الضغط عن شبكة الغاز، وفي الوقت نفسه تقليل نسبة الانقطاعات الناتجة عن تخفيف الأحمال. وتستهدف هذه الخطة خفض استهلاك الوقود المستخدم لإنتاج الطاقة وحل مشكلة الانقطاعات لتخفيف الأعباء عن المواطنين في ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
وبموجب هذه الخطة، ستتوقف أعمال الصيانة بجميع وحدات توليد الكهرباء البخارية وتدخل بالكامل في الخدمة لتقليل الاعتماد على الوقود، والاعتماد على الطاقة المتجددة بقدرة 7 آلاف ميجا وات نهارا على الشبكة القومية للكهرباء. وتستهدف الخطة توجيه الوقود المتوفر لتشغيل محطات سيمنس العملاقة لتوليد الكهرباء بقدرة 14 ألف 400 ميجا واط ببني سويف والبرلس والعاصمة الإدارية الجديدة.
ومن المتوقع أن تسهم هذه الخطة في خفض القدرات التى يتم تخفيفها خلال الأيام المقبلة من 1600 ميجا واط إلى 1000 ميجا واط، ما يعني أن مدة فصل التيار لن تتجاوز نصف ساعة بدلا من ساعة على كل منطقة لحين توفير الوقود اللازم لإنتاج الطاقة.
لجوء للقروض واستيراد المازوت
إلى ذلك، اقترضت الشركة القابضة لكهرباء مصر والهيئة المصرية العامة للبترول نحو 20 مليار جنيه، لدعم البنية التحتية للطاقة وإمدادات الوقود. حصلت الشركة القابضة لكهرباء مصر على قرض بقيمة 10 مليارات جنيه من “البنك الأهلي الكويتي – مصر” لإجراء عمليات الصيانة لمحطات الكهرباء، فيما يعتزم تحالف مصرفي مكون من 13 بنكا توقيع اتفاقية قرض مدته 10 سنوات بقيمة 10 مليارات جنيه، مع شركة التعاون للبترول، التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول، هذا الشهر لتمويل واردات المازوت، ويقود التحالف البنك الأهلي المصري وبنك مصر.
وكانت الحكومة قررت استيراد شحنات إضافية تتراوح قيمتها بين 250 و300 مليون دولار من المازوت حتى نهاية أغسطس الجاري بعد استنفاد إمداداتها، وذلك بعدما كانت قد اتخذت قرارا بإيقاف استيراده في شهر أبريل الماضي؛ في محاولة للحوكمة على الاستيراد، وفقا لما قاله الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء.
وقال مدبولي إن “كمية المازوت كانت كافية جدًا في الظروف الطبيعية، وتسمح بتشغيل المحطات بطاقة طبيعية على مدار السنة” لافتا إلى أن الاستهلاك اليومي كان يصل إلى 129 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي والمازوت؛ لتشغيل محطات الكهرباء. لكن بدأت الأزمة عندما زاد الاستهلاك الفعلي إلى 146 مليون متر مكعب في اليوم، ثم 152 مليون متر مكعب من الغاز والمازوت، ولولا قطع التيار الكهربي لكانت الدولة ستحتاج إلى 170 مليون متر مكعب من الغاز والمازوت لتلبية هذا الاستهلاك. وأضاف أن “الكميات المطلوبة من الغاز والمازوت ليست متاحة تماما؛ لذلك استخدمنا كل الكميات المتاحة من المازوت، وخصصنا كميات إضافية من الغاز الطبيعي للسيطرة على الأمر قدر الإمكان”.
من جهته، قال نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، إن الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء “متوفر” في مصر ولكن هناك طاقة قصوى للإنتاج يوميا لا يمكن الزيادة عنها لأمور فنية. وأضاف في تصريحات متلفزة أن “أزمة ارتفاع درجات الحرارة أدت إلى سحب كبير وغير مسبوق من الغاز المتوجه لمحطات الكهرباء، ما أثر على ضغط الغاز ونتج عنه الأزمة التي نعيشها حاليا”.
جدير بالذكر أن وزارة الكهرباء بدأت استخدام المازوت كوقود بديل للغاز الطبيعي لتشغيل المحطات والوحدات البخارية بشركات الإنتاج، في نوفمبر من العام 2021. ولجأت الدولة إلى ذلك لأن سعر المليون وحدة حرارية من المازوت يبلغ 12 دولارا في حين أن سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي يبلغ 34 دولارا، وهو ما يعني أن الدولة تفكر بأسلوب اقتصادي بحت خلال الفترة الراهنة نظرًا للأعباء الاقتصادية عليها، بحسب ما قاله مصدر بالشركة القابضة لكهرباء مصر.
وارتفعت قيمة واردات مصر من المازوت، خلال العام الماضي (2022)، لتتجاوز 3.5 مليار دولار، وذلك مقارنة مع نحو 2.2 مليار دولار سجلتها خلال عام 2021، بينما تنوعت الواردات بين 5 دول، في السعودية والكويت، وفق البيانات التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
“الأحد” جزء من الحل
ومنذ بداية الشهر الماضي بدأت الحكومة المصرية العمل وفق منظومة تخفيف الأحمال، وتقوم شركات الكهرباء بفصل التيار عن المناطق تباعا وبشكل يومي وفق جدول محدد بكل محافظة، وذلك في إطار مواجهة موجة الحر التي تسببت في ارتفاع الاستهلاك إلى مستويات قياسية وتاريخية.
وتسعى الحكومة إلى توفير قدرات كهربائية تتراوح بين 1500 و1700 ميغاواط يوميا بعد القرارات الأخيرة التي اتخذتها لاحتواء الأزمة، وبخاصة بعد إقرار العمل من المنزل يوم الأحد من كل أسبوع.
وكان يوم الأحد الماضي هو أول أيام عمل موظفي القطاع العام من المنزل خلال الشهر الجاري، ضمن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة لخفض استهلاك الكهرباء. وأفادت مصادر مسئولة بأن قرار عمل الموظفين يوم الأحد من كل أسبوع يوفر من 1200 إلى 1350 ميغاواط من استهلاك الكهرباء أسبوعيا، بالتالي سيقل تخفيف الأحمال الذي يتجاوز 2500 ميغاواط يوميا.
قفزة كبيرة للإنتاج من الطاقة المتجددة
أظهر تقرير للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في فبراير الماضي، أن قطاع الطاقة نجح في التحول من العجز والاستيراد إلى تحقيق طفرة في الإنتاج والتحول للتصدير، ضمن خطة لتحويل القاهرة لمركز إقليمي للطاقة، حيث شهد إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر قفزة كبيرة خلال الـ8 سنوات الماضية، بالتزامن مع تنفيذ عدد من المشروعات العملاقة لتأمين الطلب والتصدير للخارج.
وزادت قدرات توليد الكهرباء الاسمية خلال 8 سنوات بنسبة 141.8%، لتبلغ 59 ألف ميجاواط عام 2022، مقابل 24.4 ألف ميجاواط عام 2014. وكشف التقرير عن زيادة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة “الشمس– الرياح” بنحو 7 أضعاف، لتصل إلى 10.4 ألف جيجاواط/ساعة في عام 2021/2022. ويدعم إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر تحول عجز الطاقة الكهربائية المولدة إلى احتياطي يبلغ أكثر من 13 ألف ميجاواط 2022، مقارنة بعجز قيمته 6 آلاف ميجاواط عام 2014.
وبشكل عام، ارتفع جحم الاستثمارات في قطاع الكهرباء في مصر بنسبة 413.2%، ليبلغ 62.1 مليار جنيه (2.03 مليار دولار) عام 2021/2022، مقابل 12.1 مليار جنيه (400 مليون دولار) عام 2013/2014.