مصر

من قرى التراث إلى الأسواق العالمية.. الحرف اليدوية المصرية تحقق قفزة في التصدير

تشهد صادرات الحرف اليدوية المصرية نموًا متزايدًا يعكس مكانة هذا القطاع كأحد ركائز الاقتصاد الثقافي، حيث سجلت نحو 225 مليون دولار خلال عام 2024 بزيادة 14 في المئة عن العام السابق، فيما يستهدف المجلس التصديري للحرف اليدوية مضاعفة الصادرات لتصل إلى 450 مليون دولار خلال عام 2025، ضمن خطة وطنية تمتد حتى عام 2030 وتهدف لتحقيق 600 مليون دولار من صادرات الحرف اليدوية.

وتأتي هذه المؤشرات في إطار توجه الدولة نحو دعم الصناعات التراثية وتعزيز قدرتها التنافسية عالميًا، بما يسهم في توفير فرص عمل جديدة وتحقيق عوائد اقتصادية وثقافية مستدامة، حيث تحتل منتجات الحرف اليدوية مكانة خاصة بوصفها أحد أقدم الصناعات التي تمثل هوية حضارية متجددة، إذ تجمع بين الطابع التراثي وقيمة الاستخدام وتُترجم مهارات المصريين في تحويل الخامات الطبيعية إلى قطع فنية فريدة.

في هذا السياق، شهد القطاع دفعة مهمة على أرض الواقع، حيث تفقد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي معرض الصناعات الحرفية والتراثية بقرية شما في مركز أشمون بمحافظة المنوفية ضمن جولته الميدانية، وخلال الجولة، أشاد مدبولي بجودة الصناعات المعروضة وخصوصًا منتجات السجاد اليدوي، واستمع إلى مطالب الحرفيين الذين طالبوا بتوفير المواد الخام، وتسهيل التصدير، وإقامة معرض دائم لمنتجاتهم، كما أعلن أن الدولة بصدد تشكيل مجلس أعلى للحرف اليدوية والتراثية لدعم هذا القطاع وتنظيمه.

كما شهد المعرض مشاركة من قرى حرفية مشهورة مثل ساقية أبو شعرة في صناعة السجاد، وساقية المنقدي في تطعيم الصدف، وقرية شما المعروفة بالتطريز بالسيرما، وقرى أخرى متخصصة في الفخار، الأرابيسك، ومنسوجات الخوص، وتضمنت الزيارة مواقف إنسانية لمدبولي، مثل دعمه لعارضة من ذوي الهمم وتوجيهه بتوفير فرصة عمل، ومشاركته لأحد الحرفيين في معرض “تراثنا”.

وتتنوع منتجات الحرف اليدوية لتشمل صناعة السجاد والكليم اليدوي والنسيج المطرز إلى جانب الفخار والخزف والمشغولات الخشبية والنحاسية ومنتجات الخوص والسعف المستخرجة من البيئة المحلية، وتمتاز كل قطعة بلمسات تعكس هوية المجتمع الذي نشأت فيه لتجعل من المنتج المصري عنصر جذب يتفرد بأصالته أمام المنافسين في الأسواق العالمية.

وتعمل الدولة على توفير برامج تدريب وتأهيل للحرفيين ودعم مشاركة المرأة والشباب في هذه الصناعات، بما يضمن استمرار نقل الخبرات للأجيال الجديدة مع الحفاظ على الطابع التراثي، كما تم التوسع في استخدام منصات التسويق الإلكتروني والمعارض الدولية لتسويق المنتجات المصرية وإيصالها إلى أسواق جديدة، وهو ما يعزز فرص التصدير ويرسخ مكانة مصر كمركز إقليمي للحرف التراثية.

وقد أثبتت الحرف اليدوية المصرية حضورًا متناميًا في أسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأمريكا الشمالية إضافة إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تشهد إقبالًا متزايدًا في الدول المتخصصة في مجالات الديكور والتصميم الداخلي، وساعدت التجارة الإلكترونية على توسيع قاعدة المستهلكين وإيصال المنتج إلى شرائح جديدة من العملاء في الخارج.

ويؤكد الخبراء أن الاستثمار في قطاع الحرف اليدوية يمثل مكسبًا مزدوجًا يجمع بين دعم الاقتصاد والحفاظ على الهوية الثقافية، خاصة وأن هذه الصناعات قليلة التكلفة نسبيًا مقارنة بقدرتها على توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في المناطق الريفية والقرى، فضلًا عن دورها في تعزيز السياحة الثقافية التي يبحث فيها الزائرون عن اقتناء قطع أصيلة تعكس روح المكان.

وتبقى الحرف اليدوية المصرية نموذجًا متفردًا للصناعات التراثية التي استطاعت أن تواكب العصر وتصل إلى أسواق جديدة، لتبرهن على أن الاستثمار في التراث ليس ترفًا وإنما خيار استراتيجي يحقق مردودًا اقتصاديًا ويحافظ في الوقت نفسه على ذاكرة الأمة الثقافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *