
في يوم استثنائي سجل في التاريخ الوطني للطاقة، شهدت مصر عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وبمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وذلك بالتزامن مع الاحتفال، أمس الأربعاء، بالعيد المصري الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر من كل عام.
الحدث الذي جاء بعد عقود طويلة من الحلم النووي، يعكس مرحلة تحول محورية في مسيرة مشروع الضبعة، الذي يمثل أكبر مشروع للطاقة في تاريخ مصر، ويجسد عمق الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو.
بهذا الحدث التاريخي، تقترب مصر من دخول نادي الدول النووية السلمية، وتضع حجر أساس فعلي لعصر جديد يعتمد على الطاقة النظيفة والمستدامة.
بدأت الفعالية بعرض فيلم تعريفي تناول مراحل المشروع النووي المصري منذ بداياته، أعقبه كلمات لمسؤولي قطاع الطاقة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، من بينهم أليكسي ليخاتشوف المدير العام لشركة روس آتوم، والمهندس محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، ثم كلمة مسجلة لرافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفى كلمته، أكد السفير محمد الشناوي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الحدث يمثل خطوة نوعية غير مسبوقة، تنقل مصر إلى مرحلة متقدمة من تنفيذ أول محطة نووية سلمية لإنتاج الكهرباء.
كما ألقى الرئيس فلاديمير بوتين كلمة عبر الفيديو كونفرانس، قدم خلالها التهنئة لمصر بمناسبة تركيب وعاء ضغط المفاعل، مشيرا إلى أن الوتيرة الحالية للعمل بالمشروع تعد مثالا للتعاون الناجح بين البلدين، ومؤكدا أن الطاقة النووية التي ستنتجها المحطة ستسهم مباشرة في دعم الاقتصاد المصري المتنامي.
بوتين شدد على الدور الحاسم للمتابعة الشخصية للرئيس السيسي، موجها له التهنئة بمناسبة يوم مولده، ومشيرا إلى متانة العلاقات الثنائية التي تمتد لعقود طويلة منذ التعاون فى بناء السد العالي.
استعرض الرئيس الروسي في كلمته تاريخ التعاون الثنائي، مشيراً إلى مشاركة الخبراء السوفييت سابقا في بناء السد العالي، وإلى استمرار التعاون الصناعي والتجاري، وكذلك المضي في تنفيذ المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة قناة السويس.
كما أكد أن الجانب الروسي يعتمد أحدث التقنيات التكنولوجية ومعايير السلامة البيئية في تنفيذ المحطة، إلى جانب برامج تدريب وتأهيل واسعة للكوادر المصرية، تمكنها من العمل في تخصصات الطاقة النووية وتطبيقاتها المتعددة مثل الطب والزراعة.
وفي ختام كلمته، وجه بوتين الشكر وإشادة خاصة بالمهندسين والعاملين من الجانبين المصري والروسي، مؤكداً أن المشروع يمثل علامة مضيئة جديدة في مسار التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وفي كلمة مؤثرة تعكس أهمية اللحظة، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالغ تقديره للرئيس بوتين، مؤكداً أن هذا الإنجاز التاريخي يمثل صفحة مضيئة جديدة في مسيرة الوطن.
وقال السيسي إن حلم مصر النووي الذي بدأ منذ منتصف القرن الماضي أصبح حقيقة ملموسة، بفضل العمل والإصرار والشراكة الاستراتيجية مع روسيا، موضحاً أن العلاقات بين البلدين ليست وليدة اللحظة، بل هي علاقات راسخة قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك.
وأكد الرئيس أن المشروع النووي يعد ركيزة أساسية لاستراتيجية مصر في تحقيق أمن طاقة مستدام، ويمثل استثماراً طويل الأمد في الكوادر الوطنية ونقل التكنولوجيا، فضلاً عن توفير آلاف فرص العمل وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
وفي ختام كلمته، وجه الرئيس السيسي الشكر لكل من أسهم في المشروع، مؤكداً أن ما تحقق هو نتاج جهد مخلص لفِرق عمل من مصر وروسيا، وداعياً إلى مواصلة العمل لاستكمال المشروع وفق أعلى معايير الأمان العالمية.
و شهد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي لمحطة الضبعة واتفاقية البرنامج الشامل للتعاون مع شركة روساتوم، في خطوة تعد أساسية لانطلاق المرحلة التالية من تجهيز المفاعل للتشغيل الفعلي.
وفي كلمته من داخل موقع المفاعل، أكد الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء أن ما شهدته مصر اليوم يمثل نقلة نوعية في مسار المشروع النووي، حيث يُعد تركيب وعاء ضغط المفاعل خطوة استراتيجية محورية تقرب البلاد أكثر من دخول عصر الطاقة النووية السلمية.
وقال الوزير إن الضبعة تعد أكبر مشروع نووي تحت الإنشاء في العالم من حيث تنفيذ 4 مفاعلات بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات في توقيت واحد، موجهاً شكر أجيال كاملة كانت تنتظر تحقيق هذا الحلم.
وأشار إلى أن العلاقات بين مصر وروسيا وما يجمعهما من تفاهم وثقة بين قيادتي البلدين كان سبباً في تسريع وتيرة الإنجاز، موضحاً أن الفرق الهندسية المدربة تعمل ليل نهار لضمان الالتزام الكامل بالمعايير الدولية.
و تزامنا مع الاحتفالية، كانت الفرق الهندسية تستكمل الاستعدادات لتركيب وعاء ضغط المفاعل داخل مبنى الاحتواء، بعد تجهيز الحلقات الداعمة وجملونات التعليق والدفع، وهو ما مهد الطريق لبدء عملية الرفع التي تتم عبر رافعة بقدرة 2000 طن.
وكان ميناء الضبعة قد استقبل في 21 أكتوبر 2025 الوعاء الضخم، الذي يبلغ ارتفاعه 11.18 متر ووزنه 331 طناً وسمك جداره 30 سم، وهو مصمم لتحمل درجات الحرارة والضغط والإشعاع لمدة تصل إلى 60 عاماً.
وتضم محطة الضبعة أربع وحدات من طراز الجيل الثالث المطور VVER-1200، وتعتبر من أكثر المفاعلات أماناً وانتشاراً حول العالم.
وبموجب العقود الموقعة منذ 2017، يتولى الجانب الروسي تنفيذ المفاعلات وتوريد الوقود النووي طوال فترة التشغيل، إلى جانب تدريب الكوادر المصرية ودعم التشغيل والصيانة لعشر سنوات، وإنشاء منشآت خاصة لتخزين الوقود المستنفد.
و يمثل تركيب وعاء ضغط المفاعل خطوة جوهرية تؤكد التزام مصر بالجدول الزمني المعلن، وتقربها من دخول أول مفاعل نووي للخدمة، بطاقة تصل إلى 1200 ميجاوات للوحدة الواحدة، وبإجمالي قدرة 4800 ميجاوات للمشروع بالكامل.





