بنوك وتامين

«لعبة الكراسى النقدية» بين الجنيه والدولار| مرونة السوق أم خلل هيكلى؟.. الخبراء يوضحون

شهد سعر الجنيه المصري خلال الأيام الماضية حالة من التذبذب الواضح أمام الدولار الأمريكي، إذ سجل تراجعًا حادًا خلال تعاملات منتصف يوم الأحد 12 أكتوبر 2025، قبل أن يعاود الدولار الانخفاض الطفيف في تعاملات اليوم التالي، في مشهد يعكس حالة من التوازن الحذر داخل سوق الصرف المصرية التي لا تزال تتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية الداخلية والعالمية.

ففي تعاملات الأحد، هبط الجنيه أمام الدولار في أغلب البنوك العاملة بالسوق المحلية، ليخسر نحو 59 قرشًا دفعة واحدة، وهي أكبر خسارة أسبوعية للعملة المحلية منذ أواخر سبتمبر الماضي. وسجل الدولار في البنك الأهلي المصري 48.1 جنيه للشراء و48.2 جنيه للبيع بانخفاض 59 قرشًا، وفي بنك مصر 48.05 جنيه للشراء و48.15 جنيه للبيع بتراجع 54 قرشًا، وفي بنك القاهرة 48.05 جنيه للشراء و48.15 جنيه للبيع بانخفاض مماثل، بينما بلغ في البنك التجاري الدولي 47.91 جنيه للشراء و48.01 جنيه للبيع متراجعًا بنحو 40 قرشًا، وسجل بنك الإسكندرية 48.1 جنيه للشراء و48.2 جنيه للبيع بانخفاض 59 قرشًا.

لكن المفارقة أن الدولار الأمريكي عاد ليتراجع في تعاملات اليوم التالي بنحو 7 قروش مقارنة بمستوياته السابقة، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري، مسجلًا 47.57 جنيه للشراء و47.71 جنيه للبيع، في حركة وُصفت بأنها “تصحيح مؤقت” بعد موجة التذبذب القوية التي شهدها السوق خلال نهاية الأسبوع الماضي.

وتشير مجمل المؤشرات إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد استقرارًا تدريجيًا في سعر الدولار أمام الجنيه المصري مع تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية. فالسوق باتت أكثر نضجًا في التعامل مع المتغيرات، والبنك المركزي يملك خبرة واسعة في إدارة السيولة والسيطرة على التوقعات.

المشهد النقدي في مصر

وتُظهر تلك التحركات أن المشهد النقدي في مصر يسير ضمن نطاق تفاعلي طبيعي، حيث يعبر تغير السعر اليومي عن مرونة السوق لا عن خلل هيكلي، ويرجع ذلك إلى السياسة النقدية الحذرة التي يتبناها البنك المركزي المصري والتي تهدف إلى ضبط الإيقاع دون اللجوء إلى تدخلات مباشرة إلا في الحالات الاستثنائية، وهو ما حافظ على الثقة في النظام المصرفي وقدرته على تلبية احتياجات السوق من العملات الأجنبية.

ضغوط مؤقتة على السيولة الدولارية

ويرى الخبير الاقتصادي د.خالد نجاتي أن التراجع الحاد للجنيه أمام الدولار خلال تعاملات الأحد كان نتيجة ضغوط مؤقتة على السيولة الدولارية في بعض البنوك بسبب تسويات لالتزامات استيرادية تراكمت خلال الأسابيع الماضية، ما خلق طلبًا مفاجئًا على العملة الأجنبية.

وأوضح أن هذه التحركات لا تمثل اتجاهًا مستدامًا في سعر الصرف، بل مجرد انعكاس لتفاعل العرض والطلب داخل السوق. وقال إن السوق المصرية تمر الآن بمرحلة “توازن دقيق” بين العرض والطلب على النقد الأجنبي، مدعومة بزيادة موارد الدولة من العملات الأجنبية من قطاعات رئيسية مثل السياحة، وقناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج.

وأضاف نجاتي أن البنك المركزي المصري يتعامل مع هذه التحركات بحكمة كبيرة، مؤكدًا أن سياسته تعتمد على المراقبة الدقيقة للأسواق دون تدخل مباشر إلا في حالات الضرورة، وهو ما يعزز مصداقيته لدى المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية. واعتبر أن الأداء الحالي للجنيه، رغم التذبذب الظاهر، يعكس قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات في ظل بيئة عالمية تتسم بعدم اليقين.

سياسة التحرك المرن

وتؤكد الدكتورة شيماء وجيه، الخبيرة الاقتصادية، أن البنك المركزي المصري يواصل سياسة “التحرك المرن” في إدارة سعر الصرف، وهي سياسة تراعي تحقيق التوازن بين استقرار العملة ودعم النشاط الاقتصادي.

وقالت إن الاستقرار النسبي في الأسعار خلال الأشهر الأخيرة منح الأسواق ثقة أكبر في قدرة البنك المركزي على إدارة المشهد النقدي بكفاءة، مشيرة إلى أن التحرك المحدود في سعر الدولار يعكس وجود سيولة دولارية كافية لتغطية الاحتياجات الفعلية دون لجوء لممارسات مضاربة.

وأضافت أن هذه السياسة تُسهم في تهدئة توقعات السوق وتقليل المخاطر النفسية المرتبطة بسعر الصرف، موضحة أن التجارب السابقة أظهرت أن أي تدخل مباشر غير محسوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ولفتت إلى أن ما حدث من انخفاض مفاجئ للجنيه ثم تعافيه السريع يؤكد أن الدولة تمتلك أدوات رقابية فعالة لضبط الإيقاع المالي والنقدي، مما يعزز استقرار الثقة في العملة المحلية.

تحركات الأسواق العالمية

ويرى الخبير الاقتصادي أسلم عصام أن التذبذب الأخير في سعر الدولار أمام الجنيه المصري مرتبط أيضًا بعوامل خارجية، في مقدمتها تحركات الدولار في الأسواق العالمية، حيث شهدت العملة الأمريكية تراجعًا طفيفًا أمام سلة العملات الرئيسية نتيجة لتوقعات قرب خفض الفائدة الأمريكية خلال الربع الأول من عام 2026.

وأوضح أن هذا التراجع في الدولار العالمي انعكس جزئيًا على السوق المصرية، خاصة في ظل تحسن موارد النقد الأجنبي. وأضاف أن استقرار أسعار النفط عند مستويات أقل من 85 دولارًا للبرميل خفف الضغط على ميزان المدفوعات المصري وساهم في تقليل فاتورة الواردات، ما يتيح مرونة أكبر في التعامل مع الطلب على الدولار.

وأشار إلى أن السوق المصرية أصبحت أكثر استجابة للمتغيرات الدولية مقارنة بالسنوات السابقة، بفضل تطوير آليات المتابعة داخل الجهاز المصرفي ورفع كفاءة إدارة الاحتياطي النقدي. وأكد أن التحركات الأخيرة لا تمثل قلقًا بل “علامة على سوق حية تتفاعل مع المؤشرات الواقعية لا المضاربات”.

تجسن موارد النقد الأجنبي

وقال الخبير المصرفي باهر عبد العزيز إن الأشهر الأخيرة شهدت تحسنًا واضحًا في موارد النقد الأجنبي في مصر، وهو ما لعب دورًا أساسيًا في الحد من تقلبات الجنيه أمام الدولار.

وأوضح أن إيرادات السياحة ارتفعت بنحو 18% مقارنة بالعام الماضي، كما شهدت تحويلات المصريين بالخارج نموًا ملحوظًا بعد عودة الثقة في النظام المصرفي الرسمي، مما أسهم في تقليص الفجوة بين السوق الرسمية والموازية.

وأضاف أن تحسن الاحتياطي النقدي الذي تجاوز 47 مليار دولار وفق بيانات البنك المركزي لشهر سبتمبر 2025 منح البنوك قدرة أكبر على تلبية طلبات الاستيراد دون تأخير، وهو ما يقلل فرص المضاربة في السوق السوداء.

وأشار إلى أن المرحلة الحالية تتسم بإعادة توازن تدريجية، حيث أصبح الطلب الحقيقي على الدولار هو المحرك الأساسي للسوق، في حين تراجعت العوامل النفسية التي كانت ترفع الأسعار بشكل مبالغ فيه. وأكد أن استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، إلى جانب الطروحات الحكومية الناجحة، من شأنه دعم موقف الجنيه خلال الربع الأخير من العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *