أخر الأخبار الجانبيةبنوك وتامين

لأول مرة.. «البنك بين يديك»

خدمات مصرفية خارج فروع البنوك..

وحدات متنقلة بالمناطق الريفية والنائية لتمكين المواطنين ودعم المشروعات الصغيرة

 

في خطوة استراتيجية تعكس رؤية واضحة للمستقبل وتتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030، أصدر البنك المركزي المصري تعليمات جديدة تسمح للبنوك بإنشاء وحدات لتقديم خدماتها المصرفية خارج النطاق التقليدي للفروع الرئيسية.

وتُعد هذه الخطوة بمثابة تحول نوعي في منظومة العمل المصرفي، تهدف إلى تعزيز التمكين الاقتصادي للمواطنين، وتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المالية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد المصري.

أوضح البنك المركزي أن الهدف الرئيسي من هذه التعليمات هو تسهيل حصول المواطنين والشركات الصغيرة على الخدمات المصرفية بجودة عالية، مع التركيز على المناطق الريفية والنائية التي لم تصلها الخدمات البنكية بعد.

وبموجب التعليمات، ستتمكن البنوك من إنشاء وحدات مرنة لتقديم الخدمات تشمل، الوحدات المتنقلة: مثل الأتوبيسات أو السيارات المجهزة بالكامل لتقديم الخدمات البنكية، الوحدات الثابتة: منافذ مصرفية صغيرة منخفضة التكلفة يمكن إنشاؤها داخل مراكز الشباب أو الجمعيات الزراعية أو حتى في المنافذ التجارية، الوحدات المؤقتة: التي تُستخدم لتقديم خدمات التثقيف المالي وأنشطة الترويج للخدمات المصرفية.

وتقدم هذه الوحدات خدمات متنوعة، مثل فتح الحسابات، تحديث بيانات العملاء، إصدار وتسليم البطاقات المصرفية، تقديم القروض، إجراء التحويلات، تقديم الخدمات الرقمية، بالإضافة إلى خدمات السحب والإيداع عبر ماكينات الصراف الآلي. كما ستتيح تلك الوحدات خدمات الاستشارات المالية وتلقي الشكاوى، مما يضمن تلبية احتياجات العملاء بشكل شامل.

تأتي هذه المبادرة في إطار استراتيجية البنك المركزي لتعزيز الشمول المالي، وهو هدف وطني يتجاوز مجرد إتاحة الخدمات البنكية ليشمل رفع الوعي المالي وتحفيز الاقتصاد غير الرسمي على الاندماج في المنظومة الرسمية.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدلات الشمول المالي في مصر شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت بنسبة 204% خلال الفترة من 2016 حتى 2024، بينما شهدت محافظ البنوك التمويلية الموجهة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر نمواً بنسبة 381% خلال الفترة نفسها. هذه المؤشرات لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة حزمة من القرارات الجريئة والسياسات الاستباقية التي تبناها البنك المركزي.

وأكد د. أحمد شوقي، الخبير المصرفي، أن هذه التعليمات تمثل خطوة جريئة تعكس قدرة البنك المركزي على الابتكار والاستجابة لاحتياجات السوق.

وأضاف إن إتاحة إنشاء وحدات مصرفية متنقلة وثابتة ومؤقتة يعزز من فرص وصول الخدمات المالية إلى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة في المناطق التي لم تصل إليها البنوك بعد. هذه الخطوة لا تسهم فقط في تحقيق الشمول المالي، بل تدعم أيضاً خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تمكين المرأة والشباب وذوي الهمم، وتحفيز المشروعات الصغيرة على النمو.

وأشار شوقي إلى أن البنك المركزي المصري يتمتع بقدرة كبيرة على التوازن بين الاستقرار النقدي والتوسع في الخدمات المالية، موضحاً أن نجاح التجربة سيضع مصر في مصاف الدول التي تبنت حلولاً مبتكرة لتعزيز الانتشار البنكي.

حرص البنك المركزي على التأكيد أن هذه الوحدات ستُصمم بحيث تلبي احتياجات جميع الفئات، مع التركيز على تمكين المرأة والشباب وذوي الهمم. فهذه الفئات تمثل القوى الفاعلة في المجتمع، وضمان حصولها على الخدمات المصرفية يسهم بشكل مباشر في تعزيز العدالة الاقتصادية وتحقيق النمو الشامل.

من جانبها، أكدت د. شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية، أن التعليمات الجديدة للبنك المركزي تمثل إضافة حقيقية لجهود الدولة في تحقيق التنمية المستدامة.

وأضافت إن وحدات التواجد المصرفي، خاصة المتنقلة منها، سيكون لها أثر مباشر في دعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لأنها ستجعل الخدمات المالية أقرب من بيئة عملهم، وتساعدهم على النمو بشكل أسرع وأكثر كفاءة، هذه الخطوة تتسق تماماً مع أهداف الاستدامة لأنها تسهم في تعزيز التكافؤ الاقتصادي وتقليل الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية.

وشددت وجيه على أن ربط هذه الخطوة برؤية مصر 2030 يعكس وعي البنك المركزي بالدور التنموي للقطاع المصرفي، مؤكدة أن القرارات الأخيرة ستنعكس على زيادة معدلات الاستثمار المحلي وفتح آفاق جديدة للمشروعات الناشئة.

وتُعد هذه التعليمات بمثابة دعوة مفتوحة للبنوك العاملة في السوق المصري لابتكار نماذج جديدة في تقديم الخدمات، فالتوسع الجغرافي لن يكون فقط عبر فروع تقليدية مكلفة، بل من خلال حلول مرنة تتيح الوصول السريع للمواطنين.

ومن المتوقع أن تتسابق البنوك الكبرى لتطبيق هذه الآلية، سواء عبر وحدات متنقلة تجوب القرى والنجوع، أو منافذ صغيرةي داخل المؤسسات المجتمعية.

ولا يمكن إغفال أن ما يقوم به البنك المركزي المصري اليوم يأتي امتداداً لجهوده في السنوات الماضية، حيث أطلق العديد من المبادرات التي استهدفت دعم المشروعات الصغيرة، تعزيز التحول الرقمي، تطوير أدوات الدفع الإلكتروني، وتحديث البنية التحتية المالية. هذه القرارات كانت وراء القفزة الكبيرة في معدلات الشمول المالي التي تشهدها مصر اليوم.

ومن المتوقع أن تحدث هذه الخطوة تحولاً في ثقافة التعامل مع البنوك، إذ لم يعد المواطن بحاجة إلى السفر لمسافات طويلة للوصول إلى فرع مصرفي. بل إن البنك سيأتي إليه من خلال وحدات متنقلة أو منافذ صغيرة قريبة من منزله أو مكان عمله. هذا التغيير سيخلق علاقة أكثر قرباً وثقة بين المواطن والبنك، ويعزز من ثقافة الادخار والتعامل المالي المنظم.

ورغم أن هذه التجربة تحمل فرصاً كبيرة، إلا أنها لن تخلو من تحديات منها ضمان جاهزية البنية التحتية الرقمية لتقديم الخدمات بكفاءة، تدريب الكوادر المصرفية على التعامل مع الوحدات المتنقلة والصغيرة، تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الاستفادة من هذه الخدمات ، لكن مع الدعم المستمر من البنك المركزي، والتزام البنوك بتنفيذ التعليمات، فإن فرص النجاح تبدو كبيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *