في منتصف شهر أكتوبر الماضي، بدأ تطبيق المبادرة التي أعلنت عنها الحكومة، بهدف خفض أسعار عدد من السلع الأساسية بنسبة تتراوح بين 15 و25 بالمئة، إلا أن أغلب هذه السع إن لم يكن كلها، قد زادت أسعاره في السوق، وكأنّ المبادرة أتت بنتائج عكسية.
وكانت المبادرة تستهدف خفض أسعار الفول، والعدس، والألبان، والجبن الأبيض، والمكرونة، والسكر، وزيت الطعام، والأرز، وذلك بعد اجتماعات عدة عقدها رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، مع غرفة الصناعة واتحاد الغرف التجارية بهدف التحكم في التضخم على المدى القصير، وتعميق الصناعة المحلية ودعم الصناعة على المدى المتوسط.
ومما يلفت الانتباه، أن تلك القفزات التي سجلتها سلع أساسية، تتزامن مع رحيل أيمن حسام الدين رئيس جهاز حماية المستهلك عن منصبه بشكل مفاجئ، في ظل أحاديث عن إقالته بسبب قصور أداء الجهاز فيما يتعلق بممارسة الرقابة على التجار وضبط الأسعار.
متابعة يومية
وحتى أمس الأحد (26 نوفمبر) كان وزير التموين على المصيلحي، يتابع هو واللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، تنفيذ المبادرة والإجراءات المتخذة للرقابة على الأسواق بالتعاون مع مديريات التموين ومباحث التموين والإدارة المحلية، في اجتماع مع المحافظين عبر الفيديو من غرفة العمليات وإدارة الأزمات بوزارة التنمية المحلية في العاصمة الإدارية الجديدة.
وقال وزير التموين إن الوزارة تتابع يوميا عبر قطاعاتها المختلفة موقف السلع التموينية والغذائية والدقيق في مختلف المحافظات، مشيرا إلى وجود غرفة عمليات مركزية بكل مديرية تموينية للمتابعة على مدار اليوم والتواصل مع الوزارة في هذا الشأن.
ومن جانبه قال اللواء هشام آمنة إن هناك متابعة دورية من رئيس الوزراء لتنفيذ المبادرة التي تتبناها الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص والغرف التجارية بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة لتوفير السلع المختلفة المدرجة بالمبادرة ومجابهة ارتفاع الأسعار لبعض السلع الغذائية وزيادة منافذ ومعارض وشوادر البيع للمواطنين.
وأشار إلى حرص الحكومة على تخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل المواطنين وخاصة محدودي الدخل والأكثر احتياجا، مشيراً إلى توافر السلع الغذائية بكميات كبيرة في المعارض والمنافذ والشوادر في مختلف المحافظات بتخفيضات تتراوح بين 15 و25 بالمئة، بالإضافة الى السلاسل التجارية التي أعلنت توافر السلع التي تتضمنها مبادرة رئيس الوزراء.
وقال إنه منذ انطلاق مبادرة رئيس الوزراء تم إضافة أكثر من 800 منفذ جديد ليكون الإجمالي 7100 شادر ومعرض ومنفذ ثابت ومتحرك تم إقامتها على أرض المحافظات، مشددا على وجود حملات رقابية على الأنشطة التموينية والتجارية بالمراكز والمدن والأحياء حيث بلغ عددها نحو 3873 لإحكام الرقابة على الأسواق بالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية والجهات المعنية.
مؤامرة كبرى
إلا أنّ عددا من أبرز هذه السلع قد طاله الغلاء بشكل فوق احتمال المواطنين، إذ سجلت أسعار السكر والزيوت ارتفاعا قياسيا، دفع محمود العسقلاني، رئيس جمعية “مواطنين ضد الغلاء”، إلى اعتبار الأمر “مؤامرة على الدولة المصرية”، مطالبا بإجراء استثنائي ضد التجار الجشعين، وهو السجن “حتى يتعلموا الأدب” على حد تعبيره.
واعتبر العسقلاني وصول سعر كيلو السكر إلى 50 جنيها رغم أن تكلفته طبقا لمعلومات دقيقة لا يزيد على 20 جنيها يعد “جريمة”، مشيرا إلى أنه تقدم ببلاغ إلى جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لأنّ “هناك اتفاقات بين كبار التجار لرفع الأسعار” مطالبا بالتحقيق في ذلك، واستبعاد ممثلي التجار والصناع من الجهاز لضمان عدم تعارض المصالح.
وفي بلاغه، ذكر العسقلاني أن هناك معلومات مسربة من داخل ما سماه “تنظيم تجار السكر”، تشير لوجود مجموعة على تطبيق “واتساب” تضم عددا من كبار التجار الذين يقودون تنظيما عنقوديا من التجار الوسطاء في جميع المحافظات، وهؤلاء هم من يحددون الزيادات والإشراف على تنفيذها بشكل موحد، بالمخالفة للقانون.
المتهم الأول
من جهته، قال حازم المنوفي، رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية، إن السبب الرئيس في ارتفاع أسعار السكر إلى 50 جنيها للكيلو، هو الشركات التي ترفض طرحه في السوق، قائلا: “نطلب السكر فيبلغونا أن البيع متوقف”.
وأوضح في تصريحات متلفزة، أن هناك عدة أسعار للسكر، منها السكر التمويني بسعر 12.6 جنيه وهذا لا مشكلة فيه، وهناك احتياطي يكفي منه حتى شهر أبريل في العام المقبل، وهناك سكر “مبادرة خفض الأسعار” بسعر 27 جنيها، وهو موجود في السلاسل والأماكن التابعة للمبادرة، وهناك السكر الحر وسعره ارتفع إلى 48 – 50 جنيها”.
وقال إن “السكر موجود في المخازن ولا يطرحونه، ويجب أن يكون هناك مراقبة على مراحل تداوله. نحن حاليا في نهاية الموسم الماضي للسكر وعدم ضخ المصانع كميات إضافية تواجه طلب السوق على السكر محليا، ساهم في تفاقم وانتشار أزمة الاحتكار”.
وتابع أن “المصانع الحكومية والخاصة لم تعد توفر أي كميات للوكلاء منذ أكثر من شهر تقريبا وتكتفي فقط بعرض المخزون المتبقي لديها من خلال البورصة السلعية بواقع 250 طنا أسبوعيا لكل شركة وهو أقل بكثير من احتياجات المواطنين، وفوجئنا بأسعار خيالية يباع بها السكر في المحال التجارية”.
وبحسب المنوفي، المخزون الاستراتيجي للسكر موجود لدى الدولة وليس له علاقة بالسكر الحر، وحصاد القصب يكون في يناير والبنجر في شهر فبراير وربما يكون هناك أزمة صغيرة بسبب هذا الأمر، لكن خلال أيام سوف يطرح 100 ألف طن من السكر المستورد وهو ما قد يؤدي إلى استقرار الأسعار.
وأكد أن “سعر السكر حاليا غير طبيعي، لكن كميات السكر المستورد سوف تعيد التوازن للسوق ومع حصاد القصب والبنجر في يناير سوف يستقر السعر بشكل أكبر”.
ويأتي هذا الغلاء رغم أن إحصائيات صادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو الماضي تتحدث عن أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من السكر بنسبة 100.1% خلال العام الماضي، إذ بلغ إجمالي إنتاج البلاد من المحاصيل السكرية ما يقرب من 30 مليون و6 آلاف طن عام 2022 مقابل 25 مليون و62 ألف طن عام 2021 بنسبة زيادة قدرها 17.3%.
الزيوت “تختلف”
أما فيما يخص الزيوت، فيقول السيد البسيوني، عضو اللجنة العليا للزيوت، إن هناك فارقا بين المنتج المحلي والمستورد، حيث إن ارتفاع أي منتج محلي مثل السكر الذي يزرع في مصر “غير مبرر”، إذ تتحكم في أسعاره وزارة الزراعة، لكن الوضع مختلف بالنسبة للزيوت، التي تستوردها مصر بنسبة 98 بالمئة، حيث تتطلب إجراء عمليات تكرير وتصنيع وتعبئة.
وأضاف في تصريحات متلفزة أن جميع الزيوت المستوردة من الخارج تشترى من البورصة العالمية، وبالتالي البورصة هي من تحديد سعر قيمة الزيوت، كما أن شراء الزيوت من الخارج يدفع ثمنه بالدولار، ما أدى لارتفاع الأسعار.
ولفت إلى أن الكثير من المصانع تبيع سعر الزيت خلال الفترة الحالية بأسعاره الحقيقية، مشيرًا إلى أن الظروف الاقتصادية التي مرت بالعالم مثل جائحة “كورونا” والحرب الروسية الأوكرانية أثرت بصورة كبير على الاقتصاد الوطني.
ولفت إلى أن هناك ضرورة للعمل على تحقيق الاكتفاء المحلي من الزيوت بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 20 بالمئة على الأقل، وهذا يتطلب أن تدخل الدولة في دعم هذا الأمر.
وأوضح أن صعوبة توفير الدولار من ضمن أسباب ارتفاع الزيوت، كما أن هناك زيادة رهيبة في النقل وسلاسل الإنتاج، حيث إن ارتفاع تكاليف سلاسل الإمداد أثر على نحو مباشر على سعر الزيت.