في دولةٍ تتمتع بثروة بشرية ضخمة، كان لزامًا على قيادتها أن تولي أهمية كبرى لملفين مهمين في سبيل الحفاظ على هذه الثروة وتحقيق أقصى استفادة منها؛ وهما الصحة والتعليم.
ولا يخفى على أحد ما أنجزته الدولة في الملف الصحي بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتوازي مع ما تنجزه أيضًا في ملف التعليم، الذي يشكل حجر الأساس في بناء نهضة حقيقية، وتحديدًا التعليم الفني، الذي أكد الدكتور رضا حجازي، وزير التعليم والتعليم الفني، أنه “قاطرة” الاقتصاد، إذ بمجرد أن يكون هناك فنيون أكفاء، فإن ذلك سينعكس إيجابًا على اقتصاد البلاد.
تصريحات الوزير جاءت خلال جلسة عامة لمجلس الشيوخ؛ انعقدت يوم الثلاثاء، لمناقشة طلبٍ مقدمٍ إليه من أكثر من 20 نائبا، لاستيضاح سياسـة الحكومة، ممثلةً في الوزارة، بشأن المـدارس التكنولوجيـة التطبيقيـة. وتضمنت الجلسة كذلك مطالبَ برلمانيةً بإطلاق مشروع قومي لتأهيل وتدريب العمالة المصرية.
خطة بأيدي جهات دولية
في هذه الجلسة، استعرض الوزير استراتيجية تطوير التعليم الفني، مؤكدا أنها خطة أعدها خبراء متخصصون وجهات دولية وخبراء في الصناعة وغيرهم وليس “ناس قاعدة في المكاتب”، على حد تعبيره.
ولفت إلى أن الوزارة وضعت الرؤية والخطة الاستراتيجية للتعليم (2024-2029)، التي انبثقت من عدة محاور رئيسية، هي: الإنسان، والتشغيل، وحماية الأمن، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقال الوزير إن الصورة الذهنية للتعليم الفني في مصر تغيرت تمامًا، والدليل على ذلك أن الطلاب الذين يتقدمون لمدارس التكنولوجيا التطبيقية حاصلون على مجاميع مرتفعة في الشهادة الإعدادية، وهناك قوائم انتظار لهذه المدارس مما يتطلب التوسع في إعدادها، كما أنهم محجوزون للعمل قبل أن يتخرجوا، ويمكنهم الالتحاق مباشرة بالجامعات التكنولوجية بعد التخرج في تلك المدارس، وبذلك يحصلون على شهادة البكالوريوس دون الاحتياج لعمل معادلة.
وبحسب الوزير، وضعت الوزارة مرتكزات استراتيجية تطوير التعليم الفني (يونيو 2018)، التي تضمنت تحسين ضمان جودة برامج التعليم الفني بإنشاء أكاديمية مستقلة، وإعادة بناء المناهج على أساس “منهجية الجدارات”، التي تقوم على المهارات المستدامة، والمهارات المهنية، والمعارف.
وترتكز خطة التطوير بشكل رئيسٍ على تدريب المعلمين على تدريس المناهج الجديدة وتقييم طلابها، وإشراك القطاع الخاص في عملية التطوير، فضلا عن تحسين الصورة الذهنية للتعليم الفني بين الطلاب وأولياء الأمور.
ويبلغ عدد طلاب التعليم الفني في مصر إلى 3 ملايين طالب، منهم 2.3 مليون طالب في 2700 مدرسة تابعة للوزارة. وقد بدأ تطويره منذ 2018، ما ترتب عليه أن قفزت مصر 35 مركزا في المؤشر الفرعي للتعليم الفني بمؤشر المعرفة العالمي لتحتل المركز 46 على مستوى العالم من بين 133 دولة للعام 2023، مقارنة بعام 2022 الذي شغلت فيه المركز الـ 81.
زيادة مدارس التكنولوجيا
وأشار الوزير إلى تزايد عدد مدارس التكنولوجيا التطبيقية منذ عام 2018 عندما لم يكن في مصر سوى 3 مدارس من نوعها فقط وحتى عام 2023 حيث وصلت إلى 71 مدرسة في 18 محافظة.
وأوضح الوزير أن المرتكزات الرئيسية لمنظومة مدارس التكنولوجيا التطبيقية هي تطبيق معايير الجودة العالمية، وشراكة بين القطاع العام والخاص، ومعلم مدرب على أعلى مستوى، وطالب منتج ومنافس عالميًا، ومناهج دراسية قائمة على نظام الجدارات، ونظام تقييم شامل للطالب والمعلم، وتدريبات عملية تؤهَّل وفق أحدث مستجدات سوق العمل، وحوافز مادية مجزية للمعلمين.
وستعقد وزارة التعليم لقاءً مع شركاء التنمية، يوم 14 من الشهر الجاري؛ لتوضيح الاحتياجات اللازمة لتطوير المنظومة التعليمية في مصر، موضحًا أن مصر أصبحت عضوًا فى الشراكة العالمية للتعليم، ما يسهم في تحقيق التكامل بين الشركاء وليس التكرار، وفقا للوزير.
وتطرق الوزير إلى التحديات الماثلة أمام الوزارة في طريق التطوير، منها قلة الطلب على التعليم التجاري، لذا تعمل على إضافة تخصصات جديدة إليه، والتركيز على دعم مهارات خريجي التعليم الفني باللغات الإنجليزية والألمانية والإيطالية، من خلال برتوكولات تعاون مع العديد من الجهات، بالإضافة إلى إصلاح مشروع إنتاج رأس المال في التعليم الصناعي والزراعي من خلال العمل بالموارد الذاتية في الورش والمزارع بهذه النوعية من المدارس.
وأضاف أن الوزارة تهتم بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال التعليم الفني بفتح مدارس خاصة للتعليم الفني على سبيل المثال والذي يضمن نجاح هذه المدارس نتيجة تغيير الصورة الذهنية لهذا التعليم في مصر، فضلا عن الاستخدام المكثف للرقمنة في المناهج بإدخال التكنولوجيا وإتاحة المواقع الإلكترونية والباركود وغيرها.
مشاركة القطاع الخاص
ووجه الوزير الشكر لاتحاد الصناعات في مصر، لتوفير 100 موقع لإنشاء 100 مدرسة، للتوسع في مدارس التكنولوجيا التطبيقية.
من جهته، دعا الدكتور محمد مجاهد، نائب الوزير لقطاع التعليم الفني، إلى دراسة إعداد حوافز تشجيعية للمستثمرين في القطاع الخاص، للتشجيع على المشاركة في تطوير التعليم الفني من خلال المدارس التكنولوجية.
وقال مجاهد، إن المستثمر يتحمل تكاليف تصل إلى نحو 5 ملايين جنيه سنويا، في تأسيس وتجهيز المدرسة بالإضافة إلى توفيره لمصروف شهري للطلاب يصل إلى نحو 600 جنيه شهريا، وهو الأمر الذي يتطلب تشجيعه وتحفيزه للقيام بذلك، مثل إعفائه من جزء من الضرائب.
فيما قال الدكتور عمرو بصيلة رئيس الإدارة المركزية للتعليم الفني، إن الإدارة وضعت استراتيجية متكاملة لتطوير التعليم الفني قائمة على عدة محاور أهمها الشراكة مع القطاع الخاصة، لأن هذا التعليم يخدم القطاعات المختلفة الاقتصادية، والمحرك الرئيسي لها هو القطاع الخاص، على حد قوله.
وتابع “نيسّر دخول القطاع الخاص في إنشاء مدارس جديدة، سواء خاصة للتعليم الفني أو مدارس حكومية بشراكة وبتيسيرات كبيرة بإتاحة الأراضي أو مبانٍ داخل بعض المدارس”.