ملفات وحوارات

عقود من الابتكار الصناعي العسكري.. مصر تستعرض عضلاتها في إيديكس 2025

تتويجًا لعقود متواصلة من العمل الشاق في تطوير قطاع الإنتاج الحربي والصناعات العسكرية المصرية، يأتي المعرض الدولي الرابع للصناعات الدفاعية «إيديكس 2025» ليجسد مرحلة جديدة في تاريخ مصر الصناعي والعسكري.

المعرض الذي يستمر على مدى أربعة أيام في مركز المنارة للمؤتمرات الدولية ومركز مصر للمعارض بالقاهرة الجديدة، جمع 500 شركة من 112 دولة، في حدث فريد يعكس حجم التطور النوعي الذي شهدته الصناعة الدفاعية المصرية خلال السنوات الأخيرة.

نسخة فريدة

منذ نسخته الأولى، نجح «إيديكس» في تثبيت موقعه كأضخم معرض دفاعي من نوعه في إفريقيا، لكن نسخة 2025 جاءت بمستوى غير مسبوق من حيث عدد الشركات المشاركة، وحجم الأنظمة المعروضة، وحجم الجناح المصري، ونوعية المنتجات الجديدة التي تظهر لأول مرة. فقد اجتمعت على أرض مصر أحدث منظومات القتال والتسليح من مختلف دول العالم، إلى جانب منتجات مصرية بالكامل تعبر عن نقلة نوعية في التوطين التقني وقدرة الدولة على تصنيع أنظمة قتالية متطورة بمعايير عالمية.

صناعة السلاح المصرية ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لمسار بدأ منذ منتصف القرن الماضي مع تطور هيئة الإنتاج الحربي ثم إنشاء الهيئة العربية للتصنيع عام 1975، وصولًا إلى الطفرة الحالية التي تعتمد على مبدأين رئيسيين، هما تنويع مصادر السلاح، وتوطين خطوط الإنتاج.

وفي هذا السياق، صرّح العميد الدكتور طارق العكاري، الخبير في الاقتصاد العسكري، بأن مصر نجحت خلال السنوات الأخيرة في إعادة بناء منظومتها الدفاعية على أسس حديثة، ليس فقط من حيث امتلاك السلاح، بل من حيث القدرة على دمج تقنيات متعددة الجنسيات داخل منظومة قيادة وسيطرة واحدة، ما يرفع من صعوبة تقييم القدرات القتالية المصرية لدى أي طرف خارجي.

وأضاف العكاري أن الهيئة العربية للتصنيع تشارك في نسخة هذا العام بـ 57 منتجًا عسكريًا، بينها 18 منتجًا جديدًا كليًا، تشمل رادارات وأسلحة مضادة للطائرات المسيرة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعدّ أول ظهور كامل لمنظومة «مضاد المسيّرات المصري» المبني على قاعدة خوارزميات تحليل الإشارة وتحديد المسار في الزمن الحقيقي.

وأكد أن مصر واحدة من ست دول فقط في العالم لديها القدرة على تصنيع الحديد المدرّع حتى سمك 30 ملم وبعرض 240 سم، وهو تطور نوعي يسمح للبلاد بإنتاج بدروع المركبات الثقيلة، بعد أن كان أقصى ما تنتجه 15 ملم بعرض 150 سم.

ويشير العكاري إلى أن مصر تتمتع بميزة إضافية تتمثل في سياسة خارجية متوازنة لا تخضع لأي عقوبات أو قيود تسليحية، ما يجعلها منصة مثالية للشركات العالمية التي تبحث عن شراكات طويلة الأجل.

خبرات متراكمة

أكد المهندس محمد صلاح الدين مصطفى، وزير الدولة للإنتاج الحربي، أن ما وصلت إليه الصناعة العسكرية المصرية اليوم لم يأت من فراغ، بل هو نتاج خبرات متراكمة لعشرات السنين داخل قطاع الإنتاج الحربي، مشيرًا إلى أن التجارب السابقة في تصنيع الدبابات والمدرعات، مثل M1A1 و”التمساح”، أسست قاعدة صلبة لتطوير أجيال جديدة من المعدات. وأضاف أن الاكتفاء الذاتي في تصنيع المدرعات تحقق بفضل تكامل جهود وزارة الإنتاج الحربي ومجمع الصناعات والهيئة العربية للتصنيع، مما يمثل نقلة كبيرة في مسار توطين الصناعة الثقيلة داخل الدولة.

يتميز المعرض هذا العام بإطلاق عدد كبير من الأنظمة القتالية الجديدة التي تمثل نقلة نوعية في القدرات القتالية للجيش المصري، وفي مقدمتها منظومة المدفعية الثقيلة ذاتية الحركة K9A1EGY، التي تُعد إضافة نوعية للقوة النيرانية للقوات المسلحة. تم تصميم هذا المدفع بمواصفات دقيقة، فهو يعمل بعيار 155 ملم و52 كالين، ويبلغ مداه الأقصى أكثر من 40 كيلومترًا باستخدام القذائف المدعومة بالدفع المعزز.

يصل الوزن القتالي للمدفع محملاً بالكامل إلى 48 طنًا، ويبلغ طوله 12.3 مترًا وعرضه 3.4 متر وارتفاعه 3.5 متر، ويعمل عليه طاقم مكون من خمسة أفراد، فيما يتيح نظام التلقيم نصف الآلي إطلاق 6 إلى 8 قذائف في الدقيقة، ويستفيد المدفع من نظام إدارة نيران رقمي يمكنه إطلاق عدة قذائف بزوايا مختلفة لتصل إلى الهدف في نفس اللحظة.

وأكد المتحدث الرسمي لوزارة الإنتاج الحربي، المهندس محمد صقر، أن تصنيع الذخيرة الخاصة بالمدفع داخل مصر يعزز استقلالية الإمداد ويمنح القوات المسلحة القدرة على تشغيل المنظومة في مختلف الظروف دون الاعتماد على الموردين الخارجيين.

كما شهد المعرض الكشف عن راجمة الصواريخ الموجهة «ردع 300»، وهي منظومة متعددة الأعيرة تعمل على الأرض مجنزرة، وتتمتع بقدرة على إطلاق صواريخ تصل مدتها إلى 300 كيلومتر. تسير المنظومة بسرعة 40 كيلومترًا في الساعة على الطرق الممهدة وغير الممهدة، وتم تزويدها بأنظمة توجيه دقيقة تعتمد على نظام GPS وINS، كما أن مقصورة الطاقم محمية بدرع متطور. وتعتبر «ردع 300» امتدادًا لمنظومة الردع المصرية، وتعكس قدرة الدولة على تطوير ضربات بعيدة المدى ضمن منظومة متكاملة للتحكم والاستهداف.

من جهة أخرى، تم عرض المركبة المدرعة «سيناء 806» المصممة خصيصًا لدعم وإصلاح المركبات المدرعة من طراز «سيناء 200». وتمتاز المركبة بقدرتها على رفع حمولات حتى 2 طن باستخدام الونش العلوي، وسحب المركبات المعطلة بقدرة تصل إلى 15 طنًا، ويمكن مضاعفة القدرة حتى 30 طنًا باستخدام بكرات إضافية. كما تحتوي المركبة على معدات كاملة للإصلاح وقطع غيار، وتتمتع بنفس مستوى حماية المركبة الأساسية، مما يعزز جاهزية وحدات المدرعات ويتيح إصلاح أعطالها في الميدان دون الحاجة لسحبها إلى مناطق خلفية.

دخول مفاجئ

وفي مجال الدفاع الجوي، ظهر لأول مرة المدفع الثنائي العيار 23 ملم على مركبة خفيفة 4×4، مزود بنظام امتصاص ارتداد مطوّر يمكن استخدامه ضد الأهداف الأرضية والجوية، ويبلغ معدل إطلاقه 1600 طلقة في الدقيقة، بمدى يصل إلى 2.5 كيلومتر على الأهداف الجوية و2 كيلومتر على الأهداف الأرضية، كما يمكن تشغيله بنظام فردي أو مزدوج. وتعكس هذه المنظومة قدرة الجيش المصري على تطوير أنظمة متحركة خفيفة وفعالة لمواجهة تهديدات المسيرات والأهداف الصغيرة.

كما تم تطوير راجمة الصواريخ «رعد 200»، حيث تم استبدال نظام التحكم الكهربي بنظام هيدروليكي متقدم، ما يمنح دقة أعلى وسرعة في الانتقال من وضع السير إلى وضع الإطلاق، مع مرونة أكبر في تغيير زوايا الرمي. وقدمت النسخة الجديدة تحسينات على لوحة التحكم الرقمية وأنظمة التنشين، لتصبح أكثر كفاءة في العمليات الميدانية.

وفي قطاع الطائرات المسيّرة، عرضت مصر مسيرتي «جبار 150» و«جبار 200» للمرة الأولى. تصل مدة الطيران في «جبار 150» إلى عشر ساعات بسرعة قصوى تبلغ 200 كيلومتر في الساعة، ويمكنها حمل رأس حربي بوزن يتراوح بين 40 و50 كيلوجرامًا، كما يمكن استخدامها للاستطلاع وتنفيذ مهمات القتل الذاتي.

أما مسيرة «جبار 200»، فتتميز بقدرتها على البقاء في الجو لمدة تصل إلى 14 ساعة، مع وزن إقلاع أقصى يبلغ 200 كيلوجرام، وتستند إلى هيكل خفيف يوفر مناورات عالية وفعالية في مهام التدريب الطويلة المدى، مع إمكانية محاكاة تهديدات جوية معقدة. وأكدت الهيئة أن مصر تعمل على تطوير نسخة ثالثة مزودة بمحرك نفاث، لتصل سرعتها إلى 500 كيلومتر في الساعة، بما يعزز قدرات المسيرات طويلة المدى.

ويأتي المعرض في وقت يشهد توسعًا غير مسبوق في الجناح المصري، حيث شهد مشاركة نحو 500 شركة من مختلف أنحاء العالم، فيما برز الجناح المصري بتوسّعه وعدد منتجاته الحديثة، مما يعكس التقدم النوعي في الصناعة العسكرية الوطنية وقدرتها على المنافسة الإقليمية والدولية.

رسالة استراتيجية

يمثل المعرض رسالة استراتيجية واضحة من مصر إلى العالم، مفادها أن الدولة تسعى نحو تعزيز استقلاليتها الدفاعية، وتنويع شراكاتها الدولية، وتحويل نفسها إلى مركز إقليمي للصناعات العسكرية. فالمعرض لا يقتصر على العروض العسكرية أو التعاقدات، بل يشمل ندوات وورش عمل حول مستقبل الذكاء الاصطناعي في المعارك وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة، ويتيح توقيع اتفاقيات تعاون صناعي تعزز الاقتصاد الوطني وتوفر فرص عمل وتعمّق سلسلة الإمداد المحلية، ما يضيف بعدًا اقتصاديًا مهمًا إلى الحدث.

من جانبه، وصف النائب عادل زيدان، عضو مجلس الشيوخ، المعرض بأنه منصة دولية رفيعة المستوى، تعكس تقدم الصناعة العسكرية المصرية وقدرتها على منافسة الأسواق الإقليمية والدولية. وأكد أن النسخة الرابعة شهدت مشاركة نحو 500 شركة من مختلف دول العالم، مع توسع واضح للجناح المصري، مما يبرهن على التطور النوعي في التصنيع العسكري الوطني وقدرته على دخول منافسات كبرى. كما اعتبر زيدان أن المعرض يشمل ندوات وورش عمل تدعم بناء الفكر العسكري وتوسيع آفاق التعاون، فضلًا عن توقيع اتفاقيات دفاعية تدعم الصناعات الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *