تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة تحركًا متسارعًا نحو توطين الصناعات الدفاعية باعتبارها أحد ركائز الأمن القومي، فمع تزايد التحديات الإقليمية وتطور متطلبات حماية الحدود، تتبنى الدولة استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز القدرة الإنتاجية الوطنية، ونقل التكنولوجيا، وتوسيع الشراكات الدولية لتحقيق اكتفاء ذاتي نسبي في منظومات الدفاع والمعدات العسكرية.
ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية الدولة لامتلاك قاعدة صناعية متطورة تواكب المعايير العالمية، وتدعم الجيش المصري بأحدث القدرات، وتفتح في الوقت نفسه آفاقًا جديدة لصادرات الصناعات العسكرية في المنطقة.
قال العميد دكتور طارق العكاري، المتخصص في الشأن الاستراتيجي والاقتصاد العسكري: إن مصر شهدت خلال العشر سنوات الأخيرة طفرة تسليحية مختلفة تمامًا فأصبح لديها مسيرات جبار 150 و200 و250، ولدينا مسيرات 30 يونيو و6 أكتوبر التي تعد نسخة متطورة من 30 يونيو، مشيرًا أن معرض ايديكس 2025 في نسخته الرابعة هذا العام الذي انطلق الأسبوع الماضي جاء مختلفًا، حيث تُجني مصر ثمار الرؤية الاستراتيجية المحورية لتنويع مصادر السلاح وتوطين الصناعات التسليحية التي بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه رئاسة الجمهورية، مشيرًا أن مصر لديها صناعات عسكرية منذ السبعينات فالهيئة العربية للتصنيع تم تأسيسها عام 1975 وأنتجنا ذخائر وبنادق وعربيات مدرعة.
وأكد “العكاري”، حدوث طفرة كبيرة في مجال تصنيع السلاح وتنظيم المعارض لم نكن نحلم أن نشهدها في 2050 فالهيئة العربية للتصنيع مشاركة بأكثر من 57 منتجًا منهم 18 منتجًا جديدًا تمامًا، وذلك من خلال منظومات تعمل بالذكاء الاصطناعي، وجميعها تصنيع مصري 100%، موضحًا أن المدرعات والمسيرات التي تنتجها مصر تجعلنا نشعر بالفخر، كما أن الاعتماد على أنفسنا في تصنيع الذخيرة يجعلنا لا نخضع لأي دولة وقت الحروب، وبالتالي مصر تتجه لأن تصبح مركزًا إقليميًا للصناعات العسكرية والدفاعية، وقمنا أيضًا بالتصدير للعديد من البلاد في إفريقيا وذلك نظرًا لأن مصر لديها علاقات متوازنة مع جميع الدول فتسطيع التصدير لدول والاستيراد من دول أخرى وتوقيع شراكات مختلفة في هذا القطاع.
وأضاف “العكاري”، أن العدو دائمًا ما يقلق من التصنيع المحلي العسكري؛ لأن البلاد عندما تركز على نوع واحد من مصادر السلاح فالطرف الآخر يكون لديه معرفة به إنما مصر لديها الطائرات الفرنسية والأمريكية والروسية والثلاث طائرات يأخذون تعليماتهم من مركز عمليات واحد، وبالتالي فالموضوع صعب على أي طرف آخر فهمه أو التعامل معه في حالة الحرب، فعندما تكون المنظومة لدينا تشمل تصنيع محلي ودمج روسي وأمريكي وفرنسي هذا أمر جيد.
وفي السياق ذاته، قال اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية: إن النسخة الحالية لـ ايديكس 2025 تمثل نجاح لما قبلها فهذه المرة شاركت 450 شركة من أكثر من 86 دولة وأكثر من 45 ألف زائر وأكثر من 100 وفد عسكري رفيع المستوى لعقد الصفقات المختلفة، وأهم ما في ايديكس 2025 هو وجود عدد كبير من الشركات المصرية المصنعة للسلاح التي كانت موجودة جنبًا إلى جنب مع الشركات العالمية.
وعن توطين الصناعات الدفاعية والعسكرية أكد “الحلبي”، أن مصر تمكنت من تصنيع أجزاء من جناح الطائرة المقاتلة الفرنسية الرفال والقنابل عائلة حافظ، والتي يصل وزن بعضها لطن والطائرات بدون طيار، مشيرًا أن إعطاء الشركات العالمية تصريح لمصر بتصنيع أجزاء أو كل السلاح فهذه شهادة عالمية بأننا لدينا القدرة والكفاءة الفنية لدى المصانع المصرية لتصنيع هذه الأسلحة، موضحًا أن مصر تسير في اتجاهين أولهما الاعتماد على التصريح من الشركات العالمية بتصنيع الأسلحة والاتجاه الآخر هو التصميم والتصنيع المصري بنسبة 100%.
وأضاف الحلبي: أن مصر تتجه أيضًا لتصنيع الذخائر وهذه نقطة مهمة جدًا لأن الذخائر قادرة على توقيف أي عملية عسكرية في حالة عدم وجودها، موضحًا أن مصر مهتمة بتصنيع الذخائر العسكرية الجوية بمواصفات خاصة كما أن عائلة حافظ من الذخائر مصرية بنسبة 100%، مشيرًا إلى أن مصر الآن تصنع المسيرات ومن بينها 30 يونيو فالمسيرات دخلت في العمليات العسكرية بشكل كثيف جدًا، والجديد لدينا هو عائلة مسيرات جبار وهي تطير لمدة 10 ساعات وفي جبار 200 وتطير لمدة 14 ساعة، وفي جبار 250 ويصل وزنها لـ250 كيلو، وبالتالي مصر أصبحت منافس قوي في مجال تصنيع المسيرات الحربية.
وأشار “الحلبي” إلى أن توطين الصناعات العسكرية والدفاعية أمر مهم للغاية لأن العلاقات السياسية وبالتالي هذا يؤمن الدولة، كما أن بعض المصانع والشركات الخاصة تشارك في هذه الصناعات، وبالتالي دخول القطاع الخاص في التصنيع يرفع من مستوى التصنيع ويفيد القطاع الخاص، مثلما وجدنا مشاركة ما يزيد عن 46 شركة مصرية جنبًا إلى جنب مع الشركات الأجنبية في معرض ايديكس 2025.
وأوضح “الحلبي”، أن بعض الشركات العالمية تعطي مصر تصريح تصنيع المعدات العسكرية؛ مما يساعد في توطين الصناعات العسكرية وتوفير العملة الصعبة وتخفيف العبء عن الميزانية المصرية أيضًا في عمل الصيانة للمعدات عند تصنيعها داخل البلاد.
