سوق المال

شركات السمسرة في مصر تحت ضغط التوفيق والتكنولوجيا.. والكيانات الصغيرة تبحث عن طوق نجاة

تشهد سوق المال المصرية حالة من التحول الجذري في أوضاع شركات السمسرة، في ظل موجة من التحديات التنظيمية والتشغيلية، وعلى رأسها اشتراطات الهيئة العامة للرقابة المالية التي تهدف إلى تعزيز كفاءة السوق ورفع معايير الحوكمة.

وتواجه الشركات الصغيرة على وجه الخصوص صعوبات في التكيف مع هذه المتطلبات، مما دفع بعضها إلى تجميد النشاط أو التخارج لصالح مستثمرين جدد، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في التكاليف التشغيلية والتكنولوجية.

وتنص قرارات الهيئة العامة للرقابة المالية على مجموعة من الاشتراطات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز كفاءة السوق، من أبرزها ألا يقل الحد الأدنى لحقوق الملكية، مضافًا إليها القروض المساندة، وفقًا لآخر قوائم مالية معتمدة من مراقب الحسابات، للشركات المصرح لها بمزاولة الآليات والأنشطة المتخصصة، عن 15 مليون جنيه، بدلاً من 5 ملايين جنيه في السابق، كما تُلزم القرارات الشركات بتوفير بنية إلكترونية مؤهلة للتداول الآمن، وإصدار تقارير رقابية دورية، وتعيين كوادر فنية مؤهلة.

وتأتي هذه الإجراءات ضمن جهود الهيئة لتأهيل السوق لاستقبال طروحات حكومية وخاصة مرتقبة، وضمان بيئة استثمارية أكثر شفافية وجاذبية.

وأدخلت التكنولوجيا المالية تحولات كبرى في صناعة السمسرة، حيث وافقت الهيئة العامة للرقابة المالية مؤخرًا على قيام ثلاث شركات بمزاولة نشاط السمسرة باستخدام جميع مجالات التكنولوجيا المالية لأول مرة، وهي: ثاندر، بلتون، وتيلدا..

وتعتمد هذه الشركات على التحقق والمصادقة الإلكترونية للعملاء، وإبرام العقود الرقمية، والسجلات الرقمية للحفظ والاسترجاع، والتعرف على العميل إلكترونيًا (eKYC)

ومكنت هذه التقنيات شركات حديثة من جذب أعداد كبيرة من المستثمرين الشباب عبر تطبيقاتها الإلكترونية، متفوقة بذلك على شركات تقليدية تعمل في المجال منذ سنوات..

وتعاني العديد من شركات السمسرة حاليًا في ظل عدم تحقيقها أي تداولات، بسبب إيقاف الهيئة العامة للرقابة المالية للأنشطة المتخصصة، مثل الشراء الهامشي، والشراء والبيع في ذات الجلسة، وآلية T+1، وهو ما دفع العملاء إلى الهروب منها نحو الشركات الكبيرة.

استعادة هذه الأنشطة يتطلب رفع رأسمال الشركة من 5 ملايين إلى 15 مليون جنيه، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على الشركات الصغيرة، مما يدفع أصحابها حاليًا إلى بيعها لمستثمرين لديهم القدرة على ضخ هذه الزيادة، أو الاندماج مع كيانات كبرى للخروج من المأزق..

ورغم هذه التحديات، شهد السوق نموًا ملحوظًا في قاعدة العملاء، حيث ارتفع عدد المستثمرين المكودين إلى نحو 385.6 ألف عميل بنهاية 2024، مقابل 294 ألفًا في 2022، بنسبة نمو بلغت 31% .

كما قفز متوسط عدد المتداولين النشطين يوميًا إلى 20.3 ألف عميل، مقابل 10.3 ألف عميل فقط في 2022، بنمو يقارب 98%..

ويبلغ عدد شركات السمسرة العاملة في السوق المصري حاليًا نحو 124 شركة، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذا العدد لا يزال غير كافٍ مقارنة بتعداد سكان مصر الذي تجاوز 100 مليون نسمة، ومع ضعف معدل انتشار ثقافة الاستثمار بالبورصة، والتي لا تتجاوز 5% من السكان..

ويرى بعض خبراء سوق المال، في تصريحات خاصة لـ”البورصجية نيوز”، أن وجود كيانات صغيرة في السوق يمثل ضرورة لضمان تنوع الخدمات وشمولية قاعدة العملاء، مؤكدين أن من مصلحة السوق ألا يقتصر على الكيانات الكبرى فقط، إذ أن بعض الشركات الكبيرة لا ترحب دائمًا بصغار المستثمرين، ممن يمتلكون محافظ استثمارية محدودة، بعكس الشركات الصغيرة التي تقبل كافة العملاء، ما يساهم في توسيع قاعدة المتعاملين..

وأشاروا إلى أن الحفاظ على هذه الكيانات الصغيرة وتوفير بيئة مرنة لها سيسهم في رفع معدلات المشاركة في البورصة، خاصة في ظل تدني نسبة المهتمين بسوق المال بين المواطنين..

وقالت رانيا يعقوب، رئيسة مجلس إدارة شركة “ثري واي لتداول الأوراق المالية”، إن دخول تطبيقات التداول عبر الهاتف المحمول إلى السوق المصري أحدث نقلة نوعية، مشيرة إلى أن بعض هذه التطبيقات استطاع جذب أعداد ضخمة من العملاء خلال أشهر قليلة، متفوقًا على شركات تقليدية تعمل بالمجال منذ سنوات.

وأضافت أن التطور التكنولوجي السريع ومتطلبات الحوكمة الجديدة قد تعجز بعض الشركات عن مواكبته، مشددة على أن الفكرة ليست في عدد الشركات العاملة بالسوق، ولكن في جودة الخدمة والقدرة على استيعاب احتياجات العملاء الجدد..

ورأى عمرو فاروق، رئيس مجلس إدارة شركة “تايكون القابضة”، أن عدد شركات السمسرة مناسب لحجم السوق المصري الكبير، لكن التحدي يكمن في تأهيل هذه الشركات للمرحلة المقبلة..

وأشار إلى أن دمج الشركات الصغيرة مع بعضها قد يكون أحد الحلول لتكوين كيانات أكبر قادرة على مواجهة التحديات، وضخ استثمارات تكنولوجية، ورفع كفاءة الأداء بما يواكب معايير السوق الحديثة..

من جانبها، رأت حنان رمسيس، خبيرة أسواق المال، أن بعض شركات السمسرة لن تتمكن من توفيق أوضاعها مع متطلبات هيئة الرقابة، مما دفع بعضها إلى إيقاف النشاط طوعًا أو بيع حصصها لمستثمرين، خاصة عرب، بهدف ضخ استثمارات جديدة ومواكبة التطورات.

وأشارت إلى أن عدد شركات السمسرة الحالي غير مناسب، مشددة على أن ثقافة التداول في البورصة لا تزال محدودة بين المصريين، حيث لا تتجاوز نسبة المهتمين بها نحو 5% من إجمالي السكان.

وأضافت أن دمج الشركات قد يكون أحد الحلول المطروحة، لكنه لن ينجح بدون توافق حقيقي مع المتطلبات التنظيمية، وضمان الحفاظ على العمالة والخبرات المتراكمة داخل الشركات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *