تاريخ العرب والعروبة مبني على الشهامة والإقدام والنخوة والرجولة من عنتر بن شداد إلى الخليفة المعتصم وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم من العلامات البارزة والفارقة على امتداد تاريخنا العربي.
ووصم التاريخ الجبناء بأمثلة مازالت عالقة في الذاكرة ومدونة، ومنها مثل «النعامة التي تدفن رأسها في الرمال»، والذي أطلق قديمًا على كل من يتوارى خجلًا وخوفًا من مواجهة مشاكله ويهرب منها.
وأصبح هذا المثل الذي كان يلحق العار بكل من يلتصق به وبنسله من بعده ويعايرون به بين القبائل والعرب جميعًا، ليتحول إلى أسلوب حياة ليس لأشخاص فقط، وإنما لدول وللأسف فإنها في عالمنا العربي، الأمر الذي أفرخ ظاهرة جديدة أطلق عليها «مدرسة النعامة العربية»!!
هذه المدرسة غير محببة للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج يُسأل عنها بعض القادة الذين تمسكوا بها وانتهجوها أسلوبًا ليس بهدف تجنب المواجهات مع العدو، ولا المراوغة للنجاة من شراسته، بقدر ما هي للتغافل واللإمبالاة وتأمين جانبه ليلتف حولهم الذئاب ملتهمين أشقائهم غير مدركين أن الذئب ليس له دينا.
وحتى ندرك حقيقة الفروق الجوهرية بين النعامة ككائن رشيق جميل الخلق والخلقة، وبين أسلوبه في الحياة وحيلته في جلب الرزق، وبين مرتادي مدرسة النعامة العربية الحديثة، فلابد وأن نتعرف سريعا على السمات المميزة لكلا منهما داعين الله عز وجل ألا يأخذنا بذنب السفهاء منهم.
النعام يا سادة يدفن رأسه في الرمال لكي يسمع خطوات عدوه القادم لافتراسه، لأنه لا يرى الأشياء البعيدة، وعلى الرغم من أن الأصوات تنقل في الهواء إلا أن القاعدة الفيزيائية التي يعرفها دون غيره لحكمة من الله أن الصوت ينتقل في الأجسام الصلبة مثل التربة أسرع من الهواء، لذا فإن النعامة تدفن رأسها تحت الرمال من حين لأخر لتنصت على الذبذبات المختلفة في باطن الأرض مما يسهل لها الهرب من المطاردين والصيادين والوحوش.
باختصار.. النعامة تدفن رأسها في الرمال لثلاثة أسباب، الأول: أنها تقوم بحفر حفرة في الأرض لتضع بيضها بداخلها، ثم تطمئن من حين لأخر على سلامته، والثاني: هو حماية نفسها من الخطر وفقا للآليات التي سبق التحدث عنها، والثالث: هو بحثها عن الماء حيث تمكنها قدرتها على سماع الأشياء من معرفة أقرب مكان يوجد به ماء.
وفي المقابل فإن رواد مدرسة النعامة العربية وهم كثر باتوا عارا على مدرسة العروبة التي هي منهم براء، فإنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال ليس بحثا عن الأفضل ولا لمعرفة اتجاهات العدو لمواجهته أو حتى الفرار منه، ولكنهم يجعلون أجسادهم مطية لعدوهم ويحفرون قبورهم بأيديهم ويدفنون معهم كل معاني القيم، بل ويدفنون أوطانهم ليتركون للأجيال القادمة الخزي والعار.
تبقى كلمة.. غزة تحولت أرضها الطيبة إلى بحور من الدماء بعدما دنسها المحتل بمدرعاته وقذائفه برا وجوا وبحرا، بل إن جثث الشهداء الطاهرة لم تجد من يدفنها وتحولت إلى وجبة دسمة تنهشها الكلاب الضالة، وغيرها المزيد من المآسي التي تجف الأحبار دون وصفها.. كل هذا يحدث ورواد مدرسة النعامة العربية يشجبون وينددون ويطالبون بضبط النفس، وقد بنيت قبورهم وهم لا يدركون أن كل ساق سيسقى بما سقى ولا يظلم ربك أحد.