الناس زعلانة ليه؟ سؤال مش غريب، ولا محير وله بدل الإجابة أكثر من ألف إجابة، وكلها منطقية، وتدعو إلى الاكتئاب والحيرة والدهشة من قبل أصحابها، بل وهناك أسئلة حائرة لا إجابة لها ولا تجد تفسيرا منطقيا سوى الدهشة والسباحة في المجهول.
سامي أبو العز يكتب: المصريون اشتكوا
الناس زعلانة لأنها لم تعد لديها المقدرة على تحمل جبال الهموم والمشكلات المتنوعة والمتعددة التي حولت سلاسة الحياة إلى براكين من الغضب على طريقة «مفيش حاجة في الدنيا تسر»، و«كلنا في الهم سوا».
وتحولت التجمعات واللقاءات إلى ندوات مصغرة لديوان المظالم ومساحات الشكاوى ومتاعب الناس في الصحف، لكنها وللأسف لا تسفر عن حلول بل عن مزيد من الاحتقان وجبال الهموم التي باتت تطبق على الصدور، وتفقد الشعب المصري أجمل صفاته الابتسامة والتغلب على الغم والهم بالنكتة والدم الخفيف.
زمان كانت لقاءات سيدات المنازل وربات البيوت في زمن «محدش بينام من غير عشاء» قائمة على الحديث في آخر صيحات الأزياء والموضة وأحدث الأكلات، وربما امتدت للنميمة، وقال وقلنا والبذخ الذي لحق فلانة وعلانة وبحور النعيم اللي غرقانين فيها.
اليوم تغيرت الأحوال، وتبدلت والموضوعات والأسئلة كلها تغيرت في اتجاه الغلاء والأسعار والأزمات والخنقة اللي فاقت حرارة الجو.
سؤال أي شخص الآن إيه مزعلك؟ أشبه بالمهمة المستحيلة والخوض في مستنقع مليء بالقنابل والمتفجرات التي لا نهاية لها؟ المشكلة الحقيقية أن كل شيء في حياتنا أصبح فيه مشكلة وتعاظم المشكلات كل يوم يزيد الحلول صعوبة، ويخلق في السكة مشكلات جديدة ليتقوقع كل منا في مشكلاته على طريقة «كل واحد فيه اللي مكفيه».
الحكاية ببساطة أن أبسط متطلبات الحياة أصبحت فوق قدرات الناس، الشريحة العظمى نحت الفقر ملامحه في وجوههم، وبات الجوع والقهر والفقر خطًا عريضًا لمسار حياتهم.
الناس زعلانة من غول الأسعار وانفلات الأسواق وتحكم التجار واختفاء السلع وظهور أكثر من بورصة موازية وأكثر من سعر للسلعة الواحدة و«اللي مش عاجبه ميشتريش ومايكلش، ويضرب راسه في أقرب حيط» في ظل اختفاء الأجهزة الرقابية والاتصال بالخطوط الساخنة بيفكرنا بالمشاركة في فوازير رمضان أيام نيللي وسمير غانم، كانت الناس من كثرة الأكل يشغلوا فراغهم ويكسبوا كمان.
الناس زعلانة من ارتفاع فواتير الكهرباء والمياه والنور وزيادة أسعار المواصلات ورداءة التعليم والعلاج وارتفاع أسعار الأدوية واختفائها وارتفاع أسعار المدارس والجامعات الخاصة وزيادة طابور البطالة.
الناس زعلانة علشان مفيش شبكة تأمين صحي شاملة وحق في العلاج بدلًا من عذاب التأمين الصحي وطابور انتظار العمليات الجراحية بالشهور والأخطر أصحاب الحالات المرضية الحرجة الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية كبرى لا يغطيها التأمين الصحي، وطبعا المحظوظون يسافرون إلى الخارج للعلاج والفقراء على موعد مع عزرائيل، ومن ثم الذهاب إلى القبر.
لو عايزين تعرفوا الناس زعلانة ليه شوفوا صرخات المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، والاستغاثات المدفوعة في وسائل الإعلام، وعلى أبواب المحاكم والأقسام وأماكن الحجز.. حكايات وقصص ومآسي يندى لها الجبين.
باختصار.. الناس زعلانة ليه؟ سؤال ربما يكون الأصغر كونه من ثلاث كلمات فقط، ولكنه في الحقيقة الأكبر عمقا، لأنه يحتوي على آلام وهموم أكثر من 110 ملايين مصري لهم أحلام، وعلى كاهلهم جبال الهموم.
نحن لا نحتاج وزيرًا للسعادة.. ولكننا نحتاج وزراء للفقراء ومعدومي الدخل وأصحاب البطون الخاوية والمرضى والجيوب الفارغة، نحتاج وزارة فاعلة للتعامل مع المشكلات على أرض الواقع.. وزارة تملك القدرة على استنباط حلول فورية وسريعة من تجارب دول مرت بتلك الأزمات، وتخطتها، مع ربط ذلك بطبيعة المجتمع المصري.. وزارة تعترف بالأزمة أولا، ثم تعلن خطوات حلها بيد قوية غير مرتعشة لا تخشى وحش السوشيال ميديا.
نحتاج وزير يفهم خطورة ارتفاع سعر رغيف الخبز وقرص الطعمية واختفاء قرص الأسبرين وارتفاع سعر باكو الشاي والآثار السلبية التي تترتب على نسف أبسط حقوق منظومة الحق في الحياة.. يا رب تكون الرسالة وصلت.