طالت الحرب في غزة أم قل أمدها، فلابد لها من نهاية مهما كانت نتيجتها وأيا كانت الأثار المترتبة عليها، فسوف تنتهي يوما وستكون هناك سيناريوهات لما بعد الحرب تنفذ على أرض الواقع، وربما شكلت خريطة جديدة للمنطقة وعلى كل حال فستبقى في النهاية حبرا على ورق وربما أوجدت الظروف سيناريوهات أخرى خلال الأيام المقبلة.
باتت أصعب أطروحة على أهالي غزة الآن، ماذا بعد الحرب؟ وما هو المصير؟ وكل من يسأل لا يجد إجابة شافية لسببين في غاية الأهمية، الأول أنه لا يضمن أن يبقى حيا ليشهد هذا المصير، فما بين طرفة عين وإفاقتها ربما ارتقت روحه للسماء وكان من الشهداء، والثاني أن التطورات المتلاحقة والإبادة الجماعية لا تنبأ بيوم الخلاص من كابوس النازية الإسرائيلية.
بداية هناك مبادرة عربية بقيادة مصر، والتي أعلنت مؤخرا أنه لم تتلقٍ ردا من الأطراف المعنية لقبولها، معلنة أن مقترحها هدفه الأساسي هو حقن دماء الفلسطينيين ووقف القصف على قطاع غزة، وإعادة السلام والاستقرار للمنطقة، وأن مقترحها يتضمن ثلاث مراحل متتالية تنتهي إلى وقف إطلاق النار.
وفي المقابل فإن اليهود تكشف الأيام نواياهم السوداء تجاه الغزيين عبر سيناريوهات لما بعد الحرب، تعمل جميعها ضمن إطار واحد وهو تطهير القطاع من سكانه بصورة أو بأخرى وفق خطط أعدت بإحكام.
السيناريو الأول كشف عنه مخطط أعده العقيد السابق في جيش الاحتلال غيورا آيلاند، الرامي إلى نزوح الغزيين إلى سيناء عبر تنازل مصر عن قطعة أرض مقابل تنازل الاحتلال لمصر عن ممر بري إلى الأردن في جنوب سيناء، هذا المقترح لاقى رفضا قاطعا من قبل مصر والأردن المتمسكتان بموقف ثابت منذ اندلاع الحرب، برفض التهجير والنزوح وتصران على أن الأمل الوحيد لإنهاء الصراع إلى الأبد هو حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
السيناريو الثاني ويتمثل في مخطط أعده ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق إيغال كارمون، ويرمي إلى تحويل أرض القطاع إلى أرض طاردة لا يمكن العيش فيها وغير صالحة للحياة الآدمية، وهذا المخطط بدأت إسرائيل بالفعل في تنفيذه بعد تدميرها للبنية التحتية للقطاع، وألقاء آلاف الأطنان من القنابل الفسفورية المحرمة دوليا، وأخيرا بدء إغراق الأنفاق بمياه البحر مما يرفع نسبة الملوحة في التربة ويتسبب في انهيارها وهدم مئات المنازل.
وكشف باحثون إسرائيليون أن إغراق الأنفاق سيجعل القطاع يحتاج إلى 100 عام لإعادة تأهيله للعيش فيه، وهو الأمر الذي سيدفع الأهالي إلى التهجير الطوعي.
السيناريو الثالث صاغة باحث عسكري في مركز بيجن للبحوث الاستراتيجية، ويدعي شاي شيبتاي، ويعمل على محور التهجير إلى صحراء النقب بالقرب من الضفة الغربية تحت زريعة إفراغ القطاع لمواجهة حماس.
باختصار.. مخطط التهجير يرفضه الفلسطينيون قبل العرب، ويتفق الجميع على أنه مخطط صهيوني لتصفية القضية، وفي المقابل اليهود يعملون على أنه الفرصة الأخيرة أمامهم ولابد من إنجازها مهما كلفهم الأمر خصوصا في ظل الدعم الأمريكي اللامحدود، وأنه لا سبيل أمامهم سوى تحقيق أحلامهم التوسعية المزعومة لإقامة دولتهم الكبرى.
تبقى كلمة.. سيناريوهات الاحتلال لما بعد الحرب على غزة كلها مبنية على أساس فكرة التهجير وإفراغ القطاع من أهله، وابتلاع وطن بأكمله في المقابل ثبات دول المواجهة العربية وخاصة مصر والأردن والفلسطينيين أنفسهم، واشتعال الصراع بين الحق والباطل إلى هذه الدرجة ينبأ بأن الأيام المقبلة سوف تشهد وتيرة متسارعة من الأحداث ربما هددت الاستقرار في المنطقة والعالم أجمع.