
تزايد الحديث مؤخرًا عن تحركات مصر لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، ليس فقط عبر تصدير الغاز الطبيعي، بل أيضًا من خلال فتح ملف تصدير الكهرباء. ورغم أن الحكومة لم تعلن رسميا عن خطة واضحة في هذا الاتجاه، فإن موقع الشرق بلومبرغ نقل عن مسؤول مصري أن القاهرة تدرس بالفعل تصدير فائض الكهرباء إلى كل من العراق وسوريا ولبنان، عبر مشروع جديد لتمديد كابل بحري مع الأردن بقدرة أولية تصل إلى 2000 ميغاواط.
ووفقًا للمسؤول نفسه، يُستهدف بدء التصدير إلى الدول الثلاث اعتباراً من عام 2029، بعد رفع قدرة الربط الكهربائي الحالي مع الأردن بمقدار أربعة أضعاف، إذ تبلغ السعة الحالية 500 ميغاواط، يتم تبادلها عبر كابل بحري بجهد 400 كيلوفولت أنشئ عام 1999.
في الوقت نفسه، تعمل مصر على تعزيز قدرات الربط مع دول الجوار الأخرى، أبرزها السعودية، حيث تنفذ مشروعًا ضخماً للربط الكهربائي بقدرة إجمالية 3000 ميغاواط على مرحلتين، ومن المتوقع تشغيل المرحلة الأولى بقدرة 1500 ميغاواط خلال الصيف الحالي. نائب وزير الكهرباء، صباح مشالي، أوضحت أن تشغيل المرحلة الأولى سيتم قبل نهاية الصيف الجاري، في حين ستتم المرحلة الثانية بقدرة إضافية 1500 ميغاواط قبل نهاية العام، ما يعكس التزام الحكومة بالجدول الزمني للمشاريع الكبرى.
وبينما تتوسع مصر في الربط الكهربائي، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت تمتلك فائضاً حقيقياً من الكهرباء يسمح لها بالتصدير دون المساس بالاحتياجات المحلية. حافظ سلماوي، الرئيس السابق لجهاز تنظيم الكهرباء، أكد خلال تصريحات صحفية ” أن مصر لديها خبرة سابقة في التصدير، فقد صدّرت الكهرباء إلى الأردن وسوريا ولبنان قبل عام 2011 عبر خط الربط مع الأردن بقدرة 500 ميغاواط، رغم انخفاض الكميات لاحقًا.
وأشار سلماوي إلى أن الشبكة المصرية قادرة على رفع القدرة التصديرية الفائضة إلى 2000 ميغاواط، غير أن العامل الحاسم في نجاح التصدير يكمن في توافر الغاز الطبيعي لتشغيل محطات التوليد. وأوضح سلماوي أن العقود الخاصة بالتصدير تشمل التزامات متبادلة بين المنتج والمشتري، مع إدراج بند “القوة القاهرة” للتعامل مع الظروف الطارئة أو الأزمات السياسية، ما يتيح مرونة عالية في إدارة العمليات.
وأكد أن الربط الكهربائي المزمع يحقق فوائد مزدوجة لمصر والدول المجاورة، ويستند إلى آلية تسعير ضمن “اتفاقية الربط الثماني” التي تشمل مصر وليبيا وفلسطين والأردن والعراق وسوريا ولبنان وتركيا، وهي آلية أثبتت جدواها في الماضي ويمكن اعتمادها كنموذج للمشاريع المستقبلية.
نائب وزير الكهرباء، صباح مشالي، أوضحت أن استثمارات مشروع تصدير الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة تتراوح بين 15 و20 مليار دولار. وفي سياق التمويل الدولي، أضافت مشالي أن الاتحاد الأوروبي سيمول نحو 50% من تكلفة الدراسات اللازمة للربط الكهربائي بين مصر واليونان، بقيمة تصل إلى 20 مليون يورو، نصفها مخصص لدعم الدراسات التفصيلية للجدوى.
الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، يقول في تصريحات صحفية، أن مصر تمتلك اليوم كافة المقومات الفنية والبنية التحتية التي تؤهلها لتصبح مركزًا إقليميًا ودوليًا لتداول وتصدير الطاقة، سواء في الغاز الطبيعي أو الكهرباء والطاقة المتجددة، فالشبكة القومية تغطي 28 محافظة وتدعم صناعات استراتيجية مثل الأسمدة والبتروكيماويات، بينما أصبحت محطات الكهرباء والطاقة المتجددة قادرة على تلبية الطلب المحلي والفائض التصديري.
وأشار القليوبي إلى أنه تم دمج 17 مركز تحكم وربط محطات الطاقة الشمسية والرياح بالشبكة، مع توسيع مشاريع الربط مع الأردن والسودان وليبيا والسعودية، مما يعزز مكانة مصر كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة على مستوى العالم.
في الوقت نفسه، أكد الدكتور عطية عطية، عميد كلية هندسة الطاقة والبيئة بالجامعة البريطانية، وجود فرص واعدة لاكتشاف حقول جديدة، مثل الحقول الواقعة قرب حدود قبرص، التي تضم احتياطيًا يصل إلى 10 تريليونات قدم مكعب. وأشار عطية في تصريحات صحفية إلى أن الحكومة بدأت بالفعل في إعادة إدارة الموارد وفتح عدد من الآبار الصغيرة، ما ساهم في رفع الإنتاج إلى نحو 450 مليون قدم مكعب يوميًا، إلا أن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك (4.1 مقابل 6.2 مليار قدم مكعب يوميًا) ما تزال قائمة، موضحًا أن تجاوز هذه الفجوة يتطلب تسريع عمليات المسح الجيوفيزيائي عالي الدقة في البحرين المتوسط والأحمر.