شهد الأسبوع الماضي انعقاد أول اجتماع للمجلس الأعلى للاستثمار الذي أعيد تشكيله في شهر أبريل الماضي، وفي ذلك الاجتماع أقر المجلس 22 قرارًا تستهدف تهيئة مناخ أفضل للاستثمار؛ ليتجاوز الاقتصاد المصري التحديات الحالية.
بعد ذلك أصدرت وزارة الداخلية قرارًا بمنح المستثمرين الأجانب إقامة لمدة عام لـ”غير السياحة”، قابلة للتجديد لمدة 6 أشهر أو عام إضافي، خلال فترة تأسيس الشركات والكيانات الاقتصادية.
ويأتي ذلك القرار بعدما أصدرت الحكومة في مارس الماضي، قرارا يتضمن تسهيلات لمنح الجنسية المصرية للمستثمرين الأجانب مقابل شراء المنشآت أو الاستثمار في الشركات أو إيداع مبالغ مالية بالدولار، سعيا لجذب المزيد من العملة الصعبة.
وإزاء انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية، والتأثير السلبي للحرب بين روسيا وأوكرانيا على مصر، وأزمة نقص النقد الأجنبي، تستهدف هذه القرارات الحد من الإجراءات البيروقراطية السلبية التي طالما أرهقت المستثمرين في مرحل التأسيس، كالحصول على التراخيص لفتح حسابات بنكية واستخراج الأوراق الضرورية.
لكن من المهم أن تنفذ هذه القرارات ولا تصطدم بقرارات أخرى مضادة لها، على ما يقوله معتصم راشد، رئيس مجلس إدارة جمعية مشروعات المناطق الحرة الخاصة في مصر.
وتستهدف مصر جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2022/2023.
وبعد تعويم الجنيه عام 2016، أقرت مصر قانونا جديدا لتشجيع الاستثمار الأجنبي وجذب المزيد من النقد الأجنبي، لكنها كانت بحاجة إلى إجراء تعديلات ومنح مزايا أخرى ضمن القانون حتى تحقق هدفها.
طمأنة للمستثمرين
ولا شك أن إعادة تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية، تعطي رسالة طمأنة للمستثمرين لمتابعة الرئيس شخصيًا الخطط والبرامج المتعلقة بالاستثمار، وتطور العمل بالمشروعات الاقتصادية الكبرى، وإزالة عقبات الاستثمار، وفقا للرئيس التنفيذي الأسبق للهيئة العامة للاستثمار، محمد خضير الذي يؤكد في تصريحات صحفية أن أهم القرارات الحكومية المتخذة لجذب الاستثمارات هو التأكيد على سرعة تنفيذ خطة تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتعزيز الحياد التنافسي في السوق المصرية.
قرار منح المستثمرين الأجانب إقامة لمدة عام لـ”غير السياحة، وإن كان تأثيره سيكون محدودا لكنه يبقى إشارة إلى أن هناك نية لتحسين مناخ الاستثمار في مصر، وتسهيل الإجراءات لمن يرغب في ذلك، ولذلك يمكن اعتباره ضمن محاولات جذب ما يمكن جذبه من عملة صعبة نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ الذي تمر به البلاد، وقد يساعد رجال الأعمال الصغار مثل السوريين المتواجدين بالفعل للحصول على إقامة من خلال إنشاء استثمار جديد، وفقا للباحث الاقتصادي عمرو عادلي.
ولا يخفى أن الاقتصاد المصري يعاني من عدم توفر موارد النقد الأجنبي، وهناك ثلاث روافد أساسية للعملة الصعبة، هي السياحة، والصادرات السلعية، والاستثمار، ومن شأن قرار كهذا أن يقدم حوافز كثيرة للمستثمرين، ويذلل عقبات عدة كانت تواجههم، بحسب الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب.
نقاط إيجابية
على سبيل المثال، يورد عبد المطلب عدة نقاط إيجابية للقرار الأخير، أهمها أنه يجعل الإقامة دائمة ومستمرة للمستثمر الأجنبي والعربي وكل من يرغب بالاستثمار في مصر، بجانب أنه يشجع المستثمرين من أصل مصري، الذين حصلوا على جنسيات دول أجنبية وتخلوا عن جنسيتهم المصرية، لعدم سماح بعض الدول بازدواج الجنسية”.
هؤلاء كانوا يعاملون كأجانب، وتواجههم بعض الصعوبات لإطلاق استثمارات خاصة، ومن ثم فإن الدولة ستستفيد من نجاحات هؤلاء وأموالهم، وتشجعهم على الاستثمار في وطنهم الأم، وفقا للمتحدث ذاته.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، ضرورة وجود آلية مستقرة تحدد استراتيجية ثابتة للاستثمار في مصر، وتعمل باستمرار على تهيئة مناخ الاستثمار وتذليل العقبات أمام المستثمرين فورًا لتيسير ضخ استثمارات جديدة.
وشدد في تصريحات لشبكة “سي.إن.إن” على ضرورة اتخاذ قرارات أخرى ترتبط بتثبت أسعار الطاقة للمشروعات الإنتاجية خلال الفترة المقبلة، وإتاحة تمويل ميسر للأنشطة الإنتاجية في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، لينعكس الأمر بشكل إيجابي على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وحل الفجوة التمويلية.
من جهته، قال عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، ورئيس حزب العدل، إن هناك أسواقا عربية منافسة تقدم تسهيلات في الإقامة لتحفيز المستثمرين الأجانب تصل إلى حد منح الإقامة دون زيارة المستثمر طالما ساهم في ضخ استثمارات جديدة.
ومن ثمّ فهناك ضرورة ملحة لإجراء مراجعة لكل التشريعات والضرائب التي تفرض أعباء وتكاليف غير مباشرة على بيئة الاستثمار والمصانع وتؤثر سلبًا على جذب الاستثمار إلى مصر، وفقا له.
وتضمنت حزمة قرارات المجلس الأعلى للاستثمار، الموافقة على مشروع قرار يقضي بعدم السماح لأي جهة إصدار قرارات تنظيمية عامة تُضيف أعباءً مالية أو إجرائية تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات تخضع لأحكام قانون الاستثمار أو فرض رسوم أو مقابل خدمات عليها أو تعديلها، إلا بعد أخذ رأي مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار وموافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار.
فرصة جديدة
ويلفت الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إلى أن “هذا القرار يأتي بعد أن انتهت مدة الإقامة، التي كان قد تم إصدارها في عام 2018، بحصول من يودع 400 ألف دولار على (إقامة لمدة) خمس سنوات، ولذلك فهذا القرار للحفاظ على هؤلاء المستثمرين ولضمان عدم إخراجهم هذه الأموال من مصر”.
وأضاف أنه “أتى لإعطاء المودعين فرصة لتعديل أوضاعهم أو منحهم فرصة لتقديمهم على الجنسية بمبلغ أقل مما أودعوه سابقا، مثل السوريين والليبيين الذين فروا من بلادهم إلى مصر وأسسوا مشروعات ونجحوا بالفعل في مصر، ولا تريد الدولة أن تخسرهم وأن يعودوا إلى بلادهم”.
وفي رؤية مغايرة، يقول الخبير إن الدولة ليست مستعدة أساسا لاستقبال أعداد أخرى سواء أكانوا مستثمرين أو لاجئين، بعد نزوح عشرات الآلاف من السودانيين إليها” متسائلا “ألا يحتاج هؤلاء لمدارس وجامعات ومستشفيات ومساكن؟”.
ويفسر النحاس رؤيته هذه بالقول “نحن غير مستعدين لتقديم خدمات لكل هذه الأعداد في ظل أزمة البيروقراطية التي تعيشها مصر، نحن لسنا كالسعودية أو الإمارات اللتين لديهما موارد وإمكانات، أما نحن فحكومتنا تريد من هذا القرار الحصول فقط على بعض الدولارات لا أكثر”.
لكنّ السماح بحصول المستثمر الأجنبي الجديد على إقامة مؤقتة لمدة عام “هام جدا ويسهم في توفير فرص عمل جديدة والحد من البطالة وضخ سيولة في السوق وإتاحة منتجات للتصدير ومن ثم ضبط الميزان التجاري” بحسب الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، الذي يشير في تصريحات صحفية إلى أن شهادة جميع المؤسسات الدولية الكبيرة، على رأسها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسات التصنيف الدولية، بتحسن الاقتصاد المصري، تفسر توجه بعض الشركات لتوسيع استثماراتها في مصر.