ملحمة تستمر ذكراها لسنين، قادها الجيش المصري والرئيس الأسبق السادات، وساندها الشعب المصري بقوة حتى هزمت مصر إسرائيل المعادية واستعادت شبرا من الأرض المصرية، الهبوط وعبور القناة في 6 ساعات فقط أثبت أن «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، أيام وتفصلنا عن احتفالات الشعب المصري بالذكري الـ 50 بنصر أكتوبر المجيد، والذي يعتبر أعظم الانتصارات في تاريخ مصر، وخلال هذه الفترة تأثرت الدولة اقتصاديا واجتماعيا.
كما أدت النتائج الإيجابية للحرب إلى تغيرات في المناخ السياسي، بما في ذلك الاتفاقيات والمبادرات اللاحقة لإحلال السلام الدائم، مما ساعد على إنعاش الاستثمار الأجنبي واتجاه رأس المال الأجنبي والعربي في مصر، وبالتالي تغير الوضع الاقتصادي في مصر، تحول الواقع الاقتصادي لمصر، التي كانت على حافة الإفلاس، إلى الانتعاش الاقتصادي والنمو، وهو ما غير اتجاه العلاقات الاقتصادية والتجارية العالمية، أعقبه تغيرات في اتجاه العلاقات السياسية، والاعتماد الاقتصادي والتجاري على الدول العربية، واستمر اعتماد الدول على الدول العربية في التزايد والتناقص، العلاقات الاقتصادية والتجارية مع كتلة أوروبا الشرقية برئاسة الاتحاد السوفيتي.
وكانت النتيجة الأولى للاقتصاد العربي هي الوحدة الاقتصادية العربية، ولم يحدث من قبل أن كان للقدرات الاقتصادية العربية مثل هذا التأثير الفعال على الأحداث الإقليمية والعالمية كما حدث خلال تلك الحرب، البداية كانت بقرار قمة الخرطوم، التي أيدتها الدول النفطية العربية والمملكة العربية السعودية والكويت وليبيا، الدول المتنافسة، ومكنتها مالياً من الصمود والتغلب على تبعات الحرب الأخيرة، في يونيو 1967، للحرب مع إسرائيل الاستعداد لجولة جديدة من الصراع.
ولقد نقلت حرب أكتوبر الاقتصاد العربي من الكتلة الشرقية إلى الكتلة الغربية، كما فعلت السياسة المصرية، مما أدى إلى تغييرات في النظام الاقتصادي المصري برمته، بعيداً عن النظام الشمولي ونحو الديمقراطية، ويطبق النظام الشمولي التخطيط المركزي وإدارة الشؤون الاقتصادية لتحقيق الانفتاح الاقتصادي وتخفيف الأعباء الاقتصادية، أما بالنسبة للاقتصاد المصري، فنتيجة لاختلاف مفاهيم وممارسات الانفتاح، فإنه حتى لو لم يحقق النتائج المتوقعة، فإنه أصبح أضعف من انفتاح القطاع الخاص في البلاد على الواردات للمشاركة في الإنتاج الصناعي.
كما أظهرت النتائج الاقتصادية للحرب القيمة الاقتصادية الحقيقية للاقتصاد العربي والإمكانات الاقتصادية العربية غير النفطية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في تدفقات التجارة البينية العربية والاتجاه نحو زيادة فعالية الدول العربية التكامل الاقتصادي، وعلى المستوى الدولي، غيرت حرب أكتوبر بعض المفاهيم الاقتصادية العالمية، ويعتقد أن الاتجاه العام هو أن يؤدي انخفاض مستويات النشاط الاقتصادي إلى انخفاض هوامش الربح، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الاستثمار والإنتاجية، مما يؤدي إلى انخفاض التضخم، وفي أوائل عام 1974، بعد انتهاء الحرب في أكتوبر 1973، بدأت البطالة في الارتفاع بينما بدأ التضخم في الارتفاع بسرعة ثم الانخفاض، وارتفع نمو الإنتاجية بشكل حاد لكنه لم يرتفع، إن الآلية الاقتصادية للاستجابة لأزمات السيولة هذه من خلال آليات تعمل على زيادة الطلب الفعال خلقت التيار الحالي من الفكر الاقتصادي المعروف باسم الكينزية، وأدى ذلك إلى ظهور تيار جديد من المعرفة الاقتصادية، وهو التيار النقدي، والذي عرض اليات جديدة عن طريق اقتصاديات العرض.
كما أدركت القيادة المصرية أنها كانت تدير اقتصاد حرب حقيقي، واعتمدت إلى حد كبير السياسات اللازمة للقيام بذلك، وينعكس ذلك في فرض ضرائب جديدة وزيادة في المعدلات الحالية لزيادة الإيرادات العامة اللازمة لمواجهة الزيادة السريعة في الإنفاق العام اللازم للاستعداد لجولة جديدة من الصراع العسكري، واما عن عملية تعبئة الموارد الاقتصادية استعدادا للحرب بين يونيو 1967 وأكتوبر 1973، قامت الهيئة الاقتصادية المصرية بدراسة التطورات الرئيسية في البيئة الاقتصادية الدولية من أجل تحديد مسارات التفاعل معها بما من شأنه تعظيم مصالح مصر أو تعظيم مصالحها، ومن أهم التطورات انهيار معيار الذهب، واضطراب أسعار الصرف العالمية، وارتفاع التضخم العالمي وما ترتب على ذلك من ارتفاع تكاليف الاستيراد، بالإضافة إلى استمرار ربط العلاقات الاقتصادية والسياسية الخارجية، والعوامل الأيديولوجية.
حيث تجنبت الهيئة الاقتصادية المصرية حدوث اضطرابات في سوق الصرف الأجنبي من خلال التأكيد على نظام سعر الصرف وقتها في مصر، والذي يعتمد على قرارات محكومة بشأن سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، حيث تجري مصر جزءًا كبيرًا من تجارتها الخارجية من خلال اتفاقيات التجارة والمدفوعات، مما يساعد على تقليل احتياجات مصر من النقد الأجنبي، وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت اتفاقيات التجارة والمدفوعات في دعم نظام سعر الصرف بين الحربين يونيو 1967 وأكتوبر 1973، وأسفرت هذه الاتفاقيات عن استخدام عائدات مصر من النقد الأجنبي لتمويل الواردات من الدول ذات العملة الحرة أو الدول التي لا توجد معها اتفاقيات تجارة ومدفوعات، وكانت الغالبية العظمى من هذه الواردات، إن لم يكن كلها ضرورية لدعم استعدادات مصر لمحاربة أعدائها الصهاينة.
وفي السياق ذاته، ارتفع التضخم العالمي بشكل ملحوظ بين يونيو 1967 وأكتوبر 1973، من نحو 4.2% في عام 1967 إلى 4.4% في عام 1968، وإلى 5% في عام 1969، وإلى 6% في عام 1970، ثم إلى 6% في عام 1973. وارتفع إلى 9.4% على أساس سنوي، وكان هذا الارتفاع بمثابة مقدمة لبداية المرحلة التضخمية السريعة في العالم بعد حرب أكتوبر عام 1973، وفي كل الأحوال فإن ارتفاع التضخم العالمي يعني ببساطة زيادة في تكلفة واردات مصر من الخارج، فإن التجارة الخارجية لمصر تتركز في الدول الاشتراكية، التي تكون أسعار صادراتها ثابتة تقريبًا وتتغير ببطء شديد، مما يساعد مصر على بقاء تكلفة الوحدة الوزنية للواردات من الدول الوزنية للواردات من الدول الاشتراكية دون تغيير تقريبًا أو تتغير ببطء شديد.
الاعتماد على الذات
وخلال الحربين، تعرضت مصر لضغوط من الدول الغربية ومؤسساتها المالية الدولية المهيمنة، وتنعكس هذه الضغوط في القيود المفروضة على صادرات مصر إلى أسواق هذه الدول، كما تحرم مصر من فرصة الاقتراض من أسواق رأس المال في الدول الرأسمالية الكبرى أو من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكانت استجابة مصر لهذه الظروف والضغوط قوية ومشجعة، حيث ركزت مصر في المقام الأول على الاعتماد على الذات، وتمويل الاستعدادات للحرب، وعلى التعاون مع الدول الصديقة، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي، في مجالات التجارة والقروض والتمويل، وكذلك التحالفات مع الدول العربية الشقيقة.
أما عن القروض التي قدمها الاتحاد السوفييتي لمصر، فقد بدأ سدادها بعد عام من انتهاء المشروع وخصصت للخزينة، بحيث تأتي الدفعات من إيرادات الإنتاج، مدة السداد 12 سنة تقريباً، وسعر الفائدة لا يتجاوز 2.5%، ولذلك ليس من المستغرب أن أكملت مصر مجمع الصلب خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، رغم أن قيمته كانت أكثر من 165 مليون دولار أمريكي، ولكن بالإضافة إلى القروض السوفييتية، ساعدتها القروض الميسرة من الاتحاد السوفييتي على بناء هذه الصناديق دون أي مشاكل، يستخدم لتمويل استيراد كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية.
وكانت مصر حينذاك تعتمد إلى حد ما على نفسها في تمويل الإنفاق الدفاعي والاستعدادات للحرب، مدفوعًا بالغضب الشعبي من هزيمة إسرائيل في يونيو 1967 والرغبة الشعبية في شن الحرب وهزيمة الأعداء الصهاينة بأي ثمن، ونتيجة لذلك، ومع نهاية الحرب في أكتوبر 1973، لم يتجاوز الدين الخارجي المدني لمصر حوالي 2.7 مليار دولار، بالإضافة إلى ما يقرب من 2 مليار دولار ديون عسكرية، معظمها مستحق للاتحاد السوفيتي السابق، وكانت هذه الديون متواضعة للغاية، خاصة بالمقارنة مع المساعدات الخارجية التي كانت تتلقاها الحكومة الصهيونية في ذلك الوقت. بين عامي 1967 و1973، ارتفع الدين الخارجي الخاص لإسرائيل بمقدار 4.726 مليار دولار أمريكي، ليصل إلى 6.792 مليار دولار أمريكي. وهذا يوضح حجم القروض التي حصلت عليها إسرائيل خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى التعويضات والمنح الأخرى غير المستردة من ألمانيا. بين عامي 1967 و1974، بلغت المساعدات الرسمية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل وحدها حوالي 4.312 مليار دولار، منها حوالي 1.655 مليار دولار عبارة عن منح غير قابلة للاسترداد والباقي قروض ميسرة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تلقت كميات هائلة من المساعدات الخارجية خلال حرب 1967-1973، تعادل أضعاف ما تلقته مصر في ذلك الوقت، إلا أن مصر تمكنت من مواجهة خسائرها الاقتصادية من خلال الاعتماد على نفسها وخفض تمويل المساعدات خلال حرب 1967، وكما أن الإنفاق الدفاعي المطلوب يوفر التمويل لمواجهات قصيرة مع أعداء إسرائيل. وعندما جاءت “لحظة الصفر”، مهد الاقتصاد المصري، رغم كل التعليقات المبطنة حول أدائه، للحرب، تاركا إدارته وكفاءته لقيادة عسكرية وقيادة سياسية على درجة عالية من الوطنية والقدرة. وهو ما أهدر الكثير من بطولات الجيش والشعب، سواء كان قرار الهجوم بعد مرور اللحظة المناسبة الذي أدى إلى الاختراق، أو الفشل في تدمير الجيش الصهيوني بكل الطرق المتاحة والممكنة، مما أدى إلى الاختراق أو وضع 99% من الأوراق في أيدي الأمريكان الذين اتحدوا مع الصهاينة ضد مصر في تلك المعركة. لكن على أية حال، وفي حدود الإمكانيات المتاحة، لعب الاقتصاد دوره في مساعدة مصر على خوض الحرب بشكل مقبول، وقدم دروساً حول إمكانيات الاعتماد على الذات.
وخلال حرب أكتوبر 1973، قامت الحكومة المصرية بطرح سندات الجهاد من أجل تمويل متطلبات الحرب وهي عبارة عن شهادات استثمارية من أجل المشاركة المجتمعية فى الحرب ماليا تحت شعار “شارك فى ملحمة النضال الوطني”، وتم الطرح فى البنك المركزي وفروعه وجميع البنوك التجارية المصرية، وتضمنت الفئات المالية “50 قرشا، جنيها واحدا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه” وذلك بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه وهو رقم جيد جدا”.
أبرز المكاسب الاقتصادية للحرب
وأبرز المكاسب الاقتصادية التي حققتها حرب 6 أكتوبر، هي عائدات البترول الموجودة فى البحر الأحمر وسيناء وحصول مصر على إيراداتها مرة أخرى منذ الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وحتى الآن، حيث زادت عائدات السياحة نتيجة لانتهاء الحرب بالإضافة إلى الاستقرار السياسي واهتمام الدولة بالسياحة وبوجه خاص فى جنوب سيناء بالإضافة إلى استرداد الموانئ البحرية وانتعاش حركة التجارة الداخلية والخارجية وذلك بجانب انتعاش حركة الصيد نتيجة استرداد السواحل المصرية وغير ذلك، كما تم إعادة افتتاح قناة السويس عام 1975 للملاحة الدولية وإعادة عائدات إيرادات قناة السويس للدولة المصرية إذ سجلت عائدات قناة السويس 5 مليارات و728 مليون دولار فى عام 2018 كما سجل عام 2017 عبور 17 ألفًا و550 سفينة كل هذا ساهم فى تطوير قناة السويس وفتح الأبواب أمام مشروعات استثمارية جديدة فى القناة.