على مدار السنوات الست الماضية، تذبذبت إيرادات السياحة في مصر، فمن 4.4 مليار دولار عام 2016-2017 إلى 10.7 مليار دولار خلال عام 2021-2022، وفقًا لبيانات صادرة عن البنك المركزي، وهو رقم لا يزال بعيدًا جدًا مما تصبو إليه الدولة.
وتطمح الحكومة إلى مضاعفة إيراداتها من القطاع السياحي لنحو 30 مليار دولار سنويًا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وفقا لتصريحات رسمية، كما تستهدف زيادة أعداد الوافدين بنسب تتراوح بين 25 إلى 30 بالمئة في العام.
وتسهم السياحة بما يصل إلى 15 بالمئة من الناتج الاقتصادي للدولة، وهي مصدر رئيسي للنقد الأجنبي الذي تعاني مصر من ندرته حاليًا، بجانب قناة السويس وتحويلات المصريين المقيمين في الخارج والصادرات.
وقد حققت السياحة إيرادات بنحو 63,4 مليار دولار، ووصل إليها نحو 90.1 مليون سائح وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على مدار الـ 10 سنوات الماضية.
وسبق أن طالب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مجموعة من المستثمرين السياحيين بإعداد قائمة بجميع الطلبات والمقترحات للنهوض بقطاع السياحة، قائلا: “لو لبن العصفور… سنوفّره دعما لهذا القطاع. احلموا ونحن نحقق الأحلام دعما لهذا القطاع الحيوي؛ من أجل الوصول إلى هدف 30 مليار دولار من قطاع السياحة”.
معدلات تاريخية
وحققت إيرادات القطاع السياحي معدلات تاريخية خلال النصف الأول من العام الجاري، إذ تشير الأرقام إلى وصول أكثر من 7 ملايين سائح، وهو رقم لم يُحقق من قبل، مقابل 5 ملايين سائح في الفترة ذاتها من العام الماضي، وفقا لوزير السياحة والآثار، أحمد عيسى.
وفي ندوة عُقدت في وقتٍ سابق من هذا الشهر حول السياحة المصرية وما تشهده من مستجدات على الساحة المحلية والدولية، قال الوزير، إن صناعة السياحة في مصر تستحق الكثير والكثير، وإن المشكلة ليست في جانب الطلب على زيارة المقصد السياحي المصري.
ولكي يثبت ذلك أمام المشاركين في الندوة، استعرض نتائج إحدى دراسات السوق التي تم إجراؤها خلال الفترة السابقة، مشيرا إلى أنها أثبتت أن هناك ملايين السائحين حول العالم يرغبون في زيارة مصر وإن هؤلاء السائحين المحتملين حال زيارتهم لمصر من المتوقع أن يكون مستوى رضائهم عن التجربة السياحية جيدا، ومن المتوقع أيضا أن يقوموا بالتوصية بزيارة المقصد السياحي المصري لدى الأقارب والأصدقاء.
وفي جلسة لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام بمجلس الشيوخ، استعرض الوزير المؤشرات الإيجابية لحركة السياحة الوافدة لمصر خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري، التي شهدت نسبة نمو في أعداد السائحين الوافدين لمصر مقارنة بذات الفترة من عام 2022، لافتا إلى أن توقعات الحركة السياحية الوافدة لمصر خلال العام الجاري 2023 تشير إلى تحقيق 15 مليون سائح.
استراتيجية وطنية
كما تحدث الوزير عن أبرز التطورات والمستجدات التي تشهدها صناعة السياحة في مصر، وأبرز محاور الاستراتيجية الوطنية لتنمية السياحة في مصر التي تهدف إلى تحقيق نمو سريع بنسبة تتراوح ما بين 25 – 30 بالمئة سنويا، وما يسهم به ذلك من تحقيق مستهدفات الدولة المصرية من صناعة السياحة في مصر وهي الوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2028.
وتتمثل المحاور في إتاحة الوصول إلى المقصد السياحي المصري بصورة أكبر، ومضاعفة عدد مقاعد الطيران القادمة لمصر بالتعاون مع وزارة الطيران المدني، والعمل على تشجيع وتحسين مناخ الاستثمار السياحي في مصر، بجانب العمل على تطوير وتحسين التجربة السياحية، بحسب الوزير.
وتتضمن هذه الاستراتيجية كذلك مسارات عمل عديدة، منها أهمية استكمال تطوير البيئة التشريعية، والانتقال بالتطوير المؤسسي إلى مستويات أعلى، والتنسيق مع القطاع الخاص إلى آفاق أرحب، وإعادة توجيه برامج الإنفاق العام ومضاعفتها ورفع كفاءتها، بالإضافة إلى تعزيز سبل التعاون مع الوزارات والجهات المعنية، والاهتمام بملف التحول الرقمي بصورة أكبر.
وشدد وزير السياحة على أن مصر تستحق أن تكون الدولة السياحية الأولى في العالم وأن تحظى بنصيب أكبر من حركة السياحة العالمية، مشيراً إلى ما تتمتع به من مقومات سياحية وأثرية متنوعة وفريدة.
وتماشيًا مع هدف تحقيق نمو سريع يتراوح بين 25 و30 بالمئة سنويًا في قطاع السياحة، أعلنت وزارة الداخلية في بيان قبل أيام، بدء العمل بتأشيرة جديدة للأجانب متعددة الدخول وصالحة لمدة خمس سنوات، بتكلفة تبلغ 700 دولار، تسمح لحاملها بالإقامة لمدة 90 يومًا في مرّة الدخول الواحدة، مشيرة إلى أن انطلاق العمل بالتأشيرة الجديدة سيكون مع استمرار التأشيرات المعمول بها حاليًا.
ويُتوقع أن يحقق القطاع السياحي هذا العام إيرادات قياسية تصل إلى 14 مليار دولار، مقارنة بـ 10.7 مليار دولار في العام المالي الماضي، وقد كانت متوسطات إيراداته في الأعوام الأخيرة ما بين 11 إلى 12 مليار دولار، طبقا لتصريحات رسمية.
وتراجعت عائدات مصر من السياحة بنسبة أكثر من 66 بالمئة من في العام 2020 في ظل أزمة جائحة كورونا وقيود السفر، مسجلة 4.4 مليار دولار فقط مقارنة بأكثر من 13 مليار دولار في 2019. فيما استردت حوالي 68 بالمئة من الإيرادات في 2021.
تيسيرات للسائحين
ويعد القرار الذي اتخذته الدولة ممثلة في وزارة السياحة بالتنسيق مع الجهات الأمنية المعنية بشأن منح تيسيرات لدخول مصر، واحدا من القرارات المهمة؛ لزيادة حركة السياحة الوافدة إلى مصر، حيث تم السماح لأكثر من 180 جنسية بالحصول على تأشيرة دخول اضطرارية في منافذ الوصول.
ويشترط القرار أن يكون مع هؤلاء تأشيرات دخول لدول الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول منطقة “شنجن” أو اليابان أو كندا أو أستراليا أو نيوزيلندا على جوازات سفرهم، على أن تكون سارية ومستخدمة من قبل.
كذلك، بموجب القرار زاد عدد الجنسيات التي تستطيع الحصول على التأشيرة الاضطرارية أو الإلكترونية إلى 78 جنسية، ومنح تسهيلات إضافية للقادمين إلى مواني ومطارات محافظة جنوب سيناء.
وأنشأت الحكومة “صندوق دعم السياحة والآثار” بهدف المساهمة مع الجهات المعنية في دعم وتمويل الأنشطة التي تعمل على رفع قدرات وتأهيل العاملين بالسياحة والآثار وتنمية وتنشيط السياحة.
كما يستهدف القانون الذي أنشئ بقانون رقم 19 لسنة 2023، تطوير الخدمات والمناطق السياحية ومشروعات المجلس الأعلى للآثار المتعلقة بترميم وحفظ وصيانة الآثار، وتطوير المواقع والمناطق الأثرية، وبناء وتطوير المتاحف المصرية للنهوض بالإرث الحضاري المصري الفريد والحفاظ عليه للأجيال القادمة، والارتقاء بمنظومة السياحة بمصر.
إجراءات مطلوبة
لكن الخبراء عددوا بعض عن متطلبات تحديث البنية التحتية لتعظيم فرص نمو القطاع. الفنادق على سبيل المثال تحتاج إلى تطوير وتوسعات. وكان إيهاب سالم، مساعد وزير السياحة للشؤون المالية والاستثمار، قال في تصريحات سابقة إن الحكومة تعمل على حل مشكلات الفنادق المغلقة أو المتعثرة ماليًا، وزيادة عدد الغرف الفندقية، ووضع قواعد لتنظيم نشاط الشقق الفندقية أو ذات العلامات التجارية العالمية، بالإضافة إلى العمل وفق مسارات لتحسين تجربة السياحة الفردية.
وبحسب ما قاله محمد عامر رئيس الإدارة المركزية للمنشآت الفندقية والمحال والأنشطة السياحية بوزارة السياحة والآثار، هناك حاليا 1210 منشآت بإجمالي 212.7 ألف غرفة فندقية في البلاد. وقال عامر إن تحسينات البنية التحتية تشمل زيادة سرعات الإنترنت لتتماشى مع المستويات الدولية.
وتعمل الحكومة على تحسين البنية التحتية في الوجهات السياحية خارج المراكز الحضرية الرئيسية، بما في ذلك مواقع السياحة البيئية مثل سيوة. وهناك أيضا نحو 1300 موقع في شمال البلاد يمكن تطويرها خصيصا لسياحة الاستشفاء، وفقا لرئيس مجموعة “كريتيف” للسياحة والفنادق عمرو صدقي، الذي دعا الحكومة إلى وضع خريطة استثمارية لهذه المواقع للمساعدة في توجيه قرارات الاستثمار وتنويع صناعة السياحة في البلاد بما يتجاوز السياحة الشاطئية.
ومن بين توصيات الخبراء، تطوير البنية التحتية الرقمية الخاصة بالسياحة، عبر إنشاء منصات رقمية مختلفة لتوحيد الإجراءات والبيانات المتعلقة بالسياحة، بما في ذلك إنشاء منصة إلكترونية موحدة للسياحة يمكن للمسافرين من خلالها حجز تذاكر الطيران والفنادق، وغيرها من الخدمات أو الأنشطة.
كما أكد مساعد وزير السياحة أن هناك خطة لاستغلال طاقات مختلف العاملين بالقطاع السياحي، عبر برامج تدريبية مختلفة، مضيفًا أن إلغاء قيود الجائحة في الصين، سوف تعمل على توفير فرص سياحية كبيرة، تستوجب زيادة عدد المقاعد بالنسبة لخدمات الطيران وزيادة الطاقة الفندقية.
وشدد سالم على إعادة تهيئة البيئة التشريعية سيساعد فى زيادة جذب المستثمرين الأجانب، ومن ثم زيادة معدلات الاستثمار السياحي في مصر، مشيرًا إلى الخطوات الناجحة التي قامت بها الحكومة من خلال إطلاق نظام “الرخصة الذهبية” بما يدعم الاستثمار السياحي، ومقترحًا إطلاق مناطق اقتصادية سياحية، أو مناطق سياحية حرة، لإعطاء امتيازات وإعفاءات ضريبية ومالية لفترات زمنية محددة لحين تحقيق المستثمر للعوائد المطلوبة.