كانت مصر ستكمل ربع قرنٍ من عضوية اتفاقية تجارة الحبوب الأممية، بعد عامين من الآن، لولا أنها قررت أن تنهي تلك العضوية، على نحوٍ مفاجئ للمجلس الدولي للحبوب.
المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب الذي يشرف على الاتفاقية، أرنو بيتي، قال إن إخطار مصر بالانسحاب من الاتفاقية “حدث دون سابق إشارة، وتشعر عدة وفود من الدول الأعضاء بالمجلس بالاندهاش والحزن إزاء القرار” مشيرا إلى أن “بعض الأعضاء سيطالبون مصر بإعادة النظر في قرارها“.
وفقًا لنص المادة 29 من الاتفاقية، يجوز لأي عضو الانسحاب في نهاية أي سنة مالية، عن طريق تقديم إشعار كتابيقبل ثلاثة شهور من نهاية هذه السنة.
وكانت مصر أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة، في فبراير الماضي، بنيتها الانسحاب، من الاتفاقية التي وقعت عليهاضمن 35 دولة في عام 1995، اعتبارًا من يونيو المقبل. وأكدت الخارجية المصرية، في بيان، أن القرار اتخذ بعدتقييم مشترك قامت به وزارتا الخارجية والتموين، خلص إلى أن عضوية مصر في هذه الاتفاقية “لا تنطوي على قيمةمضافة“.
القرار لن يكبد مصر أي خسائر، بل على العكس، الدول الأعضاء المشاركة هي التي خسرت أكبر مستورد للقمحعالميًا” بحسب تصريحات الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، الذي يرى أن مصر عوّلت –دون جدوى– على أن تكون الاتفاقية درعًا واقيةً لتأمين احتياجاتها مع اندلاع الحرب الأخيرة، ومن ثمّ فانسحابها يبرزكمحاولة للبحث عن أسواق جديدة لشراء القمح.
الاتفاقية التي تعد المعاهدة الدولية الوحيدة التي تغطي تجارة الحبوب، انطلقت عام 1995 وقد كانت مصر من أوائلالموقعين عليها، وهي تتكون من 34 مادة و35 عضوًا، بينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتركز على توفيرمجال آمن لتجارة الحبوب في العالم، والاعتماد على الشفافية بين الدول المصدرة والمستوردة لضمان استقرارالسوق.
عضوية الاتفاقية كانت تعود على مصر ببيانات عن وضع السوق فقط، وفى ظل التطور التكنولوجي بات من السهلالحصول عليها، وفقا لطارق حسانين، رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب، الذي يؤكد أن قرار الانسحاب ليسله أي تأثير سلبي على مصر، بل على العكس، سيوفر رسوم العضوية التي كانت تسددها مصر بالدولار.
وتلخص جملة “لا تنطوي على قيمة مضافة” التي وردت في بيان الخارجية كل شيء، فالسبب الرئيسي لانسحاب مصرمن الاتفاقية هو عدم استفادتها منها، عل الرغم من التحديات التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية.
أحد العوامل التي تكشف سبب القرار المصري، هو أن هناك فرقا بين بنود الاتفاقية والواقع العملي، فهناك علىسبيل المثال بند في الاتفاقية ينص على أن تقوم الدول ذات الفوائض في الحبوب بالمساهمة بمعونة للدول الناميةبشكل سنوي وهو ما لم يحدث أبدا، وفقا لأحمد خزيم، رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة والمتخصص فيالاقتصاد، الذي يقول “لما تعرضت مصر لأزمة كورونا، لم يقدم مجلس الاتفاقية للبلاد أي معلومات عن أماكنلاستيراد القمح بميزة تفضيلية أو بأسعار جيدة، بل اكتفى بدور المتفرج“، على حد وصفه.
وأضاف في تصريحات صحفية أن “الشفافية في إطار اتفاقية تجارة القمح الأممية كانت تتم بشكل انتقائي،واكتشفت مصر أنها لم تستفد منها وهي تدفع رسوم الاشتراك في الاتفاقية بالدولار ولكن دون طائل. ويعتقد أنخروج مصر من الاتفاقية سيكون مؤلما للدول المصدرة، لأنها أكبر المستوردين وأحد المؤسسين للاتفاقية، إذتستورد 12 مليون طن سنويا، ولا تتأخر في دفع المستحقات ولديها طلب ثابت وكبير.
ويتفق معه الدكتور نادر نور الدين، المستشار السابق لوزير التموين، الذي يرى أن الاتفاقية كأنها والعد سواء خلالالسنوات الأخيرة، إذ لم يُلاحظ أي دور لمجلس الاتفاقية خلال تلك السنوات، على الرغم من أنه كانت هناك أزماتمتوالية، بداية بأزمة المضاربات على أسعار السلع الغذائية عام 2008، ومرورا بوصول سعر القمح إلى مستوى قياسيفي عام 2011 عندما بلغ 480 دولارا للطن بسبب استخدام القمح والغذاء لإنتاج الوقود الحيوي، وانتهاءً بالأزمةالطاحنة التي خلفتها الحرب في أوكرانيا، حيث أدت إلى اهتزاز أسواق الغذاء، وهو ما تبعه زيادة الأسعار.
على مدى هذه الأزمات الكثيرة لم يكن لاتفاقية تجارة الحبوب التابعة للأمم المتحدة أي أثر إيجابي، ورغم كون مصرأكبر المستوردين في العالم للقمح، لم يكن للدول المشتركة ولا لمجلس الاتفاقية أي دور في محاولة السيطرة علىالأسعار العالمية، أو مساعدة مصر في مواجهة الأزمة الكبيرة التي تواجهها الآن، بحسب نور الدين.
ويؤكد نور الدين أنه إذا أتمت مصر انسحابها من الاتفاقية فإن ذلك قد يكون بمثابة كرة الثلج، التي قد تجر فيطريقها دولا أخرى إلى الانسحاب، لكن إذا قُدّمت تسهيلات للدول المستوردة أو وُفّرت لهم مظلة حماية من الأسعارالمرتفعة للحبوب، من خلال منح وقروض ميسرة أو تقديم الدعم، فمن الممكن أن تراجع مصر نفسها.
من جهته، قال النائب مجدي الوليلي، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، إن هذهالاتفاقية عملت لصالح الدول الكبرى أكثر من الدول النامية، وقال إنه “كان لزاما علينا أن نلتفت إلى مصالحنا“. وأضاف أن الاتفاقية كان من الممكن أن تحمي الدول النامية بقدر مناسب من الشفافية، لكن السوق الأمريكيةوالأوروبية لم تكونا على قدر الشفافية المطلوب.
وارتفع إجمالي واردات مصر من القمح بنسبة 12.6 بالمئة، في العام المالي الماضي 2021 -2022، لتصل قيمتها إلى2.40 مليار دولار مقابل 2.13 مليار دولار، في العام السابق له، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.
ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي من القمح 25 مليون طن، تنتج مصر نحو 12 مليون وتستورد الباقي من دول مناشئمختلفة في مقدمتها روسيا وأوكرانيا وفرنسا ورومانيا.
وذهب خبراء إلى أن الخروج من الاتفاقية سيمكن مصر من شراء القمح من روسيا بالروبل، وهذا الأمر يرفع الضغطعن الدولار.