
أعلى معدل «فصلى» منذ 3 سنوات..
كتب – عبد الفتاح فتحي:
في وقت تعاني فيه اقتصادات المنطقة والعالم من تباطؤ حاد نتيجة توترات جيوسياسية وتحديات في سلاسل الإمداد، سجّل الاقتصاد المصري مفاجأة إيجابية بتحقيق أعلى معدل نمو فصلي له منذ ثلاث سنوات، ما يشير إلى نجاح السياسات الإصلاحية في بناء اقتصاد أكثر مرونة وتنوعًا.
وبحسب بيان صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن معدل النمو في الربع الثالث من العام المالي 2024/2025 بلغ 4.77 بالمئة، مقارنة بنسبة 2.2 بالمئة في الفترة نفسها من العام السابق، ليرتفع متوسط النمو خلال الأشهر التسعة الأولى من العام إلى 4.2 بالمئة. الوزارة توقعت تجاوز المعدل المستهدف للعام المالي البالغ 4 بالمئة، مدفوعة بانتعاش القطاع الصناعي وزيادة الاستثمارات الخاصة.
ومع تبني الدولة لسياسات استباقية، وتحقيق شراكة فعالة مع القطاع الخاص، وتطوير بيئة تشريعية محفزة، يظل الاقتصاد المصري مرشحًا ليكون من بين أسرع الاقتصادات نموًا في المنطقة خلال السنوات المقبلة، وفق ما تؤكده البيانات والتقديرات المحلية والدولية. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا النمو اللافت ليس حدثًا عابرًا، بل يعكس تحولًا حقيقيًا في بنية الاقتصاد المصري، ونضجًا في إدارة ملفات الاستثمار والإنتاج والتصدير.
تقول الدكتورة وفاء علي، خبيرة الاقتصاد، إن تسجيل هذا النمو في ظل تغيرات عالمية حادة “يُعد مؤشرًا واضحًا على تحسن الأداء الكلي ومرونة الاقتصاد المصري”، مشيرة إلى أن ذلك جاء نتيجة تفعيل آليات دعم النمو المستدام، وإشراك القطاع الخاص بفعالية، وضبط المالية العامة وترشيد الإنفاق وخفض الدين العام.
وأضافت في تصريحات صحفية أن قطاعات مثل السياحة والصناعة والاستثمار كانت “روافد حقيقية” لعجلة النمو، مع تحسن واضح في الصادرات الصناعية غير البترولية، وامتصاص جيد لتراجع إيرادات قناة السويس.
من جانبه، أكد الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد، أن “هذه المؤشرات الإيجابية تتسق مع تقارير دولية توقعت أن يكون الاقتصاد المصري من بين الأعلى نموًا في المنطقة”، لافتًا إلى أن تنويع مصادر الدخل مكّن الاقتصاد من تجاوز أثر انخفاض قناة السويس، مقارنة بدول تعتمد على قطاع واحد.
وشدد عنبر على أن نمو صناعات مثل السيارات (93 بالمئة) والملابس الجاهزة (58 بالمئة) يعكس نجاح سياسات توطين الصناعة، وتقليل الفاتورة الاستيرادية، والبدء فعليًا في جني ثمار الإصلاح الاقتصادي الممتد لسنوات.
أما الدكتور أيمن غنيم، أستاذ إدارة الأعمال، فرأى أن ما يحدث حاليًا هو ثمرة جهود تراكمية بدأت منذ عام 2014، مشيرًا إلى أن الاقتصاد المصري ينتقل من نموذج “ريعي” إلى اقتصاد إنتاجي وتصديري، مدعومًا بمشروعات قومية وحوافز ضريبية وتشريعات داعمة، مثل قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، ومنح الرخص الذهبية للمستثمرين.
وأوضح غنيم أن تجاوز مصر لمعدل النمو العالمي المتوقع (2.5 بالمئة) وتحقيق نسبة 4.77 بالمئة يؤكد أن الدولة تستهدف نموًا مستدامًا بين 5 و7 بالمئة خلال السنوات المقبلة. كما أشاد بانخفاض معدل التضخم من 38 بالمئة إلى 12.5 بالمئة خلال عام ونصف، نتيجة سياسة نقدية مرنة يقودها البنك المركزي.
من جهته، قال أحمد سمير، المستشار الاقتصادي لمركز مصر للدراسات الاقتصادية، إن “النمو لم يأتِ رغم التحديات فقط، بل بفضلها”، مؤكدًا أن تسارع الاستثمار الخاص إلى 62.8 بالمئة من إجمالي الاستثمارات مقابل تراجع الاستثمار العام هو تحول جوهري يعكس تغيرًا في النهج الاقتصادي للدولة.
وشدد سمير على أهمية تسريع تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة لضمان انتقال متوازن من هيمنة القطاع العام إلى دور أكبر للقطاع الخاص، ما يعزز المناخ الاستثماري ويزيد القدرة التصديرية.
على مستوى القطاعات، واصلت السياحة نموها القوي بنسبة 23 بالمئة، مسجلة تدفق 4 ملايين سائح في الربع الثالث، فيما بلغ عدد السياح خلال عام 2024 نحو 15.78 مليون، في رقم قياسي رغم الأزمات الإقليمية.
القطاع الصناعي، لا سيما الصناعات التحويلية غير البترولية، سجّل نموًا بنسبة 16 بالمئة، بينما ارتفعت الصادرات الإجمالية بنسبة 54.4 بالمئة، ما أسهم في تحقيق مساهمة صافية من التجارة الخارجية تقدر بـ2.7 نقطة مئوية من الناتج المحلي.
كما شهدت الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاعات مثل التشييد والبناء والوساطة المالية والتأمين أداءً متقدمًا، في وقت استمر فيه التراجع في قطاع الاستخراجات وقناة السويس، بنسبة 10.38 بالمئة و23.1 بالمئة على الترتيب، نتيجة التوترات الجيوسياسية.
وكشف تقرير حديث للمجلس العالمي للسفر والسياحة أن القطاع السياحي ساهم بنحو 1.4 تريليون جنيه في الناتج المحلي عام 2024، بما يمثل 8.5% من الاقتصاد الوطني، مع توقعات بزيادة هذه النسبة إلى 8.6 بالمئة في عام 2025، ما يؤكد تحول السياحة إلى رافد رئيسي للنمو.
من جهته، يرى معتصم الشهيدي، عضو مجلس إدارة شركة “هوريزون”، أن أرقام النمو انعكست مباشرة على نتائج أعمال الشركات، مشيرًا إلى تحوّل قطاع الأسمنت من الخسائر إلى الأرباح، ونمو الصادرات. وأضاف أن تحسن أحجام التداول في البورصة وقرار إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية ساهما في رفع معنويات المستثمرين.
ويتوقع الشهيدي استمرار الأداء القوي للأسهم خلال الشهور المقبلة، رغم التوقعات بارتفاع التضخم نسبيًا، مرجّحًا عودته للانخفاض بنهاية العام نحو معدل مستهدف بين 16 بالمئة و18 بالمئة.