
“صُنع في قويسنا”.. كيف تتحول قلعة الدلتا الصناعية إلى مركز تصديري إقليمي؟
-استثمارات تتجاوز 133 مليون دولار في قويسنا
-مصانع عملاقة توفر 4000 فرصة عمل وتستهدف أسواق أفريقيا والشرق الأوسط
لم تعد محافظة المنوفية مجرد سلة غلال الدلتا، بل باتت ترسخ أقدامها كإحدى القلاع الصناعية الكبرى في الاقتصاد المصري، محولةً مناطقها الصناعية إلى خلايا نحل لا تهدأ، بضخ استثمارات حديثة تتجاوز 133 مليون دولار.
وتبرز منطقة قويسنا الصناعية في محافظة المنوفية، كنقطة انطلاق محورية في استراتيجية الدولة لتوطين الصناعة، حيث دشنت مشروعات عملاقة في قطاعات استراتيجية، تعد بآلاف فرص العمل وتعزز طموحات مصر التصديرية.
هذه النهضة الصناعية ليست وليدة الصدفة، فالمنوفية تحتل بالفعل المرتبة الثامنة على مستوى الجمهورية من حيث عدد المصانع وحجم العمالة والاستثمارات، التي تقدر بنحو 34.7 مليار جنيه، وتساهم بنسبة 2.2% من إجمالي الناتج القومي المحلي.
وتأتي المشروعات الجديدة لتضيف قوة دفع هائلة لهذا الصرح الصناعي، وتفتح آفاقًا جديدة للمنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
شراكات يابانية.. وجودة عالمية على أرض مصرية
وجاءت الشراكة مع كبرى الشركات اليابانية كقاسم مشترك في أحدث المشروعات بقويسنا، مما يضمن نقل أحدث التكنولوجيات الصناعية وتطبيق أعلى معايير الجودة، في خطوة تعكس الثقة المتزايدة للمستثمرين الأجانب في المناخ الاستثماري المصري.
وكان أبرز هذه المشروعات افتتاح مصنع الزجاج الهندسي، الذي أقيم على مساحة 20 ألف متر مربع باستثمارات بلغت 25 مليون دولار.
ويهد هذا المصنع، نقلة نوعية في صناعة مواد البناء المتقدمة، يختص بإنتاج زجاج واجهات المباني عالي التقنية بطاقة إنتاجية ضخمة تصل إلى 2 مليون متر مربع سنويًا، نصفها موجه للتصدير.
وعلى نفس القدر من الأهمية، تم وضع حجر الأساس لمصنع مجموعة العربي الجديد لإنتاج الثلاجات والديب فريزر، على مساحة 107 آلاف متر مربع، وباستثمارات ضخمة تصل إلى 108 ملايين دولار. ويستهدف المشروع إنتاج قرابة 900 ألف وحدة سنويًا، في خطوة لا تهدف فقط لتلبية احتياجات السوق المحلي، بل ولتعزيز مكانة “العربي” كأحد عمالقة التصدير في المنطقة.
قاعدة صناعية متنوعة تدعم الاقتصاد الكلي
لا تقتصر قصة النجاح في قويسنا على المشروعات العملاقة الحديثة، بل ترتكز على قاعدة صناعية راسخة ومتنوعة تضم مئات المصانع التي تشكل منظومة اقتصادية متكاملة، فالمنطقة تحتضن تكتلات صناعية في قطاعات حيوية متعددة، مما يعزز من مرونة الاقتصاد المحلي وقدرته على النمو.
وتضم المنطقة، الصناعات الهندسية والصناعات المغذية للسيارات، منها شركات هامة مثل “الشركة المصرية الألمانية لتصنيع قطع غيار السيارات” و”يوني فاين للصناعات المغذية”، والتي تلعب دورًا محوريًا في تقليل فاتورة استيراد مكونات الإنتاج وتعميق التصنيع المحلي في قطاع السيارات.
كما تشمل المنطقة الصناعات الدوائية والكيماوية، بوجود شركات مثل “أتكو فارما للصناعات الدوائية” و”العالمية للمنظفات الصناعية”، تساهم قويسنا في تحقيق الأمن الدوائي وتلبية احتياجات السوق من المنتجات الكيماوية الأساسية.
وضمت أيضاً صناعات الغزل والنسيج والملابس، وتستمر المنطقة في لعب دورها التقليدي القوي في هذا القطاع عبر مصانع كبرى مثل “الوطنية تكس – مصنع شعلان للغزل”، مما يدعم واحدة من أهم الصناعات التصديرية في مصر.
ولم تغفل المنطقة، الصناعات الغذائية والزراعية، خيث تعتبر المنطقة مركزًا لشركات مثل “قويسنا للتنمية الزراعية” و”إيجيبت فودز”، التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير منتجات للسوق المحلي والتصدير.
ويخلق هذا التنوع يخلق شبكة من سلاسل الإمداد المحلية، ويوفر آلافًا أخرى من فرص العمل، ويجعل من المنطقة بيئة جاذبة للاستثمارات الجديدة التي تبني على هذا النجاح القائم.
محرك للتنمية.. وتوفير آلاف فرص العمل
لا تقتصر أهمية هذه الاستثمارات على أرقامها الضخمة، بل تمتد لتشكل رافعة تنموية للمجتمع المحلي، فمن المتوقع أن توفر المشروعات الجديدة وحدها ما يزيد عن 4000 فرصة عمل مباشرة، تضاف إلى الآلاف التي توفرها المصانع القائمة بالفعل، ناهيك عن الفرص غير المباشرة في قطاعات الصناعات المغذية، والخدمات اللوجستية، والنقل.
ومن جانبه، يرى الدكتور “حسن الفقي”، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن هذه المشروعات تمثل “تطبيقًا عمليًا لاستراتيجية تعميق التصنيع المحلي”. واضاف:” عندما نتحدث عن إنتاج الزجاج الهندسي والأجهزة الكهربائية، فنحن لا نتحدث عن صناعات تجميعية، بل عن صناعات ذات قيمة مضافة عالية. الشراكة مع اليابان تضمن نقل التكنولوجيا والمعرفة، وهو ما يخلق جيلاً جديدًا من العمالة المصرية المدربة، وهذا هو الاستثمار الحقيقي في المستقبل”.
قيمة مضافة للاقتصاد الوطني
وبدوره، أكد المهندس “كريم العادلي”، خبير التنمية الصناعية، أهمية البعد الاستراتيجي لهذه المشروعات. موضخاً:” أن اختيار قويسنا كموقع لهذه الاستثمارات يعكس نجاح الدولة في تطوير البنية التحتية للمناطق الصناعية.
ونوه بأن هذه المصانع لن تقلل فقط من فاتورة الاستيراد، بل ستحول مصر إلى مركز إقليمي لتصدير هذه المنتجات”.
وبهذه الخطوات الواثقة، تثبت المنطقة الصناعية بقويسنا أنها نموذج حي لتوجه الدولة نحو بناء اقتصاد إنتاجي متنوع ومستدام، يعتمد على توطين التكنولوجيا، وجذب الاستثمارات العالمية، وفتح أسواق جديدة للصادرات، لتواصل المنوفية دورها التاريخي كركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني.