بنوك وتامين

المراجعة الحاسمة لبداية عهد جديد من الاستقرار..«برنامج الإصلاح» يحصل على «شهادة التخرج» من صندوق النقد

تشهد مصر مرحلة مفصلية في مسار برنامجها الإصلاحي الاقتصادي، مع بدء بعثة صندوق النقد الدولي لمراجعة الإصلاحات الاقتصادية حتى 12 ديسمبر الجاري، في خطوة اعتبرها خبراء الاقتصاد محطة حاسمة لتعزيز الثقة الدولية ودعم الاستقرار المالي، وتأتي هذه الزيارة بعد جمع المراجعتين الخامسة والسادسة في مراجعة واحدة متكاملة، ما يعكس تفهم الصندوق للظروف الاقتصادية الخاصة بمصر وأهمية منح الحكومة المزيد من الوقت لاستكمال الإصلاحات الأساسية.

وتشير المعلومات الرسمية إلى أن هذه المراجعة ستتيح لمصر الحصول على شريحة تمويلية بقيمة 2.4 مليار دولار، ضمن البرنامج الذي وافق صندوق النقد الدولي على رفعه في مارس 2024 إلى 8 مليارات دولار لمدة 46 شهرًا، بدلاً من الحزمة السابقة، وذلك استجابة للتقلبات الاقتصادية العالمية والإقليمية، بما في ذلك تذبذب أسعار السلع وانخفاض إيرادات بعض القطاعات الحيوية، وقد حصلت مصر حتى الآن على أربع شرائح من البرنامج، بلغت قيمة آخرها 1.2 مليار دولار في مارس الماضي، فيما تمثل الشريحتان المقبلتان خطوة أساسية لتأمين الاحتياجات التمويلية قصيرة ومتوسطة الأجل، ودعم استقرار سعر الصرف، وتعزيز رصيد الاحتياطيات الدولية.

هذه المرحلة الاقتصادية المهمة تبرز الجهود المتكاملة التي تبذلها الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتنسيق مع الحكومة المصرية، البنك المركزي المصري، والجهات المعنية، لتعزيز الاستقرار المالي، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وقد أثبتت هذه الجهود قدرتها على إدارة الاقتصاد بمرونة وكفاءة، ووضعت مصر على خارطة الثقة الدولية، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به في الالتزام بالإصلاحات الهيكلية والتطوير المؤسسي.

وتهدف المراجعة إلى تقييم ما تم تنفيذه من إصلاحات اقتصادية خلال العامين الماضيين، والتي شملت تعزيز مرونة سعر الصرف، ضبط معدلات التضخم، تعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتنفيذ سياسة تخارج الدولة من الأنشطة غير الاستراتيجية، كما ستتضمن المراجعة متابعة تنفيذ ملفات التمويل، استدامة الدين العام، تحسين الإيرادات وترشيد الإنفاق، وهي ركائز أساسية لدعم الاقتصاد الوطني وضمان قدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.

وقال د. محمد السيد، الخبير المصرفي إن الزيارة ليست مجرد إجراء تقني، بل مؤشر قوي على ثقة صندوق النقد الدولي في قدرة مصر على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ونجاح هذه المراجعة سيتيح للحكومة الحصول على تمويل خارجي منخفض التكلفة، ويخفف الضغط على الاحتياطيات الأجنبية، ويعزز الاستقرار المالي والاقتصادي، وهذا كله نتيجة واضحة للجهود المتميزة التي تبذلها الدولة ممثلة في الرئيس السيسي والحكومة والبنك المركزي والجهات المعنية.

وأضاف د. السيد أن مصر ملتزمة بمواصلة مرونة سعر الصرف، وأن أي ارتفاع للجنيه يعكس زيادة الإيرادات الدولارية، بينما من المتوقع أن يؤدي رفع أسعار الوقود إلى زيادة التضخم بشكل مؤقت، إلا أن الاتجاه العام للمؤشرات يبقى هابطًا على صعيد التضخم، ما يعكس نجاح السياسات المالية المتبعة في ضبط الاقتصاد.

وأشار الخبير المصرفي باهر عبد العزيز إلى أن هذه المراجعة تعكس الثقة في المسار الإصلاحي المصري وتؤكد جدية الحكومة في تحرير الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص.

وأضاف أن الخطوات الأخيرة في التخارج من الأنشطة غير الاستراتيجية وتهيئة بيئة الاستثمار تجعل المراجعة محطة فارقة في مسار البرنامج، ومؤشراً على قدرة الدولة على استدامة الإصلاحات وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وقال الخبير الاقتصادي أسلم عصام، إن دمج المراجعتين يعكس تفاهم الطرفين على خصوصية المرحلة، وأن صندوق النقد يقدّر تعقيدات الإصلاح الهيكلي، ويدرك أن فتح المجال أمام القطاع الخاص يحتاج خطوات عملية، مشيرًا إلى أن الحكومة نفذت بالفعل خطوات ملموسة في الطروحات وحرية الأسواق، مما يعزز فرص نجاح المراجعة ويفتح الباب أمام استثمارات أجنبية أكبر خلال 2026.

ومن المتوقع أن تؤثر نتائج المراجعة بشكل مباشر على الأسواق المالية المحلية، من خلال تهدئة توقعات سعر الصرف، ودعم خفض معدلات التضخم تدريجيًا، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب في بيئة الاستثمار، خاصة مع استمرار الدولة في تحرير الأسواق، وتوسيع دور القطاع الخاص، وتحسين كفاءة السياسة المالية.

كما ستسلط المراجعة الضوء على التقدم في برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل أداة رئيسية لدعم الاقتصاد الإنتاجي المحلي، وتحفيز النشاط الاقتصادي الحقيقي، وخلق فرص عمل مستدامة، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي والنمو المستدام، وزيادة مشاركة المواطنين في النشاط الاقتصادي الرسمي، وتقليل حجم الاقتصاد غير الرسمي.

ويعكس هذا التوسع في التمويل قدرة الدولة على توجيه الموارد المالية نحو القطاعات الإنتاجية، وتحفيز الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري في الأسواق الإقليمية والدولية، ويمهد الطريق لجذب استثمارات أجنبية مباشرة جديدة، خصوصًا مع تطور البنية التحتية والموانئ الجديدة، مما يجعل مصر مركزًا إقليميًا لعمليات التجارة والتمويل.

ويؤكد الخبراء أن الالتزام بمرونة سعر الصرف ساهم في تحسين الميزان التجاري وتعزيز الاحتياطات الأجنبية، بينما يمثل التحكم في معدلات التضخم أداة استراتيجية للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي.

ومع اقتراب موعد البيان الختامي للمراجعة في 12 ديسمبر، يترقب المستثمرون المحليون والدوليون النتائج التي ستحدد حجم التمويل المقبل، ويؤكد خبراء الاقتصاد أن مصر تمتلك فرصة قوية للحصول على شريحة أكبر إذا أثبتت التزامها بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ما سيعزز الثقة الدولية، ويحفز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المقبل، ويضع الاقتصاد المصري على طريق النمو المستدام.

ويبدأ الأسبوع الجاري مرحلة حاسمة تجمع بين تقييم الأداء، واستعراض التقدم في الملفات الاستراتيجية، ونجاح المراجعة، ليصبح مؤشرًا على التزام الدولة بخطوات إصلاحية فعّالة ويعزز مكانة مصر على خارطة الثقة الدولية، ويؤكد جدارتها في إدارة الاقتصاد بمرونة وكفاءة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *