اندلعت حربٌ جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما لا يكد الاقتصاد العالمي يتعافى ممّا اعتراه من ركودٍ جراء الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، ما يهدد بانتكاسته مجددا، في وقتٍ لا يحتمل فيه العالم مزيدًا من الركود.
أطلقت المقاومة الفلسطينية -بقيادة كتائب القسام– عملية “طوفان الأقصى” ردا على اعتداءات سلطات الاحتلال المستمرة بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم، سيّما المسجد الأقصى، في حين أطلقت إسرائيل عملية “السيوف الحديدية” التي تواصل في إطارها شن غارات مكثفة على المدنيين في قطاع غزة الذي تفرض عليه حصارا منذ عام 2006.
ولأنّ منطقة الشرق الأوسط مورد حيوي للطاقة، إذ تمثل ما يقرب من ثلث العرض العالمي، فضلا عن كونها ممر شحن رئيسيا، فإنّ تنامي الصراع في الشرق الأوسط يمكن أن يتسبب بهزات عبر العالم؛ وفقا لتقرير لوكالة “بلومبرج” حذرت فيه من أنّ الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بإمكانه تعطيل الاقتصاد العالمي، ودفعه نحو الركود خاصة إذا جُرَّت أطراف أخرى نحوه.
خطر حقيقي
وفي وقتٍ يتأهب فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي لشن هجومٍ بري غير محسوب على قطاع غزة، حذر تقرير “بلومبرج” من خطر حقيقي يهدد الاقتصاد العالمي الذي يبدو هشًّا ولا يزال يتعافى من نوبة التضخم التي تفاقمت إثر الحرب الروسية الأوكرانية، إذ يواجه تحديا جديدا حال نشوب مواجهات واسعة النطاق خاصة في منطقة منتجة للطاقة.
ولفت التقرير إلى أن أي تصعيد في الصراع ودخول أطراف أخرى قد يدفع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل، مع انخفاض النمو العالمي إلى 1.7 بالمئة، وهو الركود الذي يقتطع نحو تريليون دولار من الناتج العالمي.
وفي ختام اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المغرب هذا الأسبوع، حذر وزراء ومسؤولون في عدد من دول العالم، من أن شبح صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط يشكل تهديدا جديدا للاقتصاد العالمي، فقال برونو لومير، وزير المالية الفرنسي، لصحيفة فايننشال تايمز “إذا كنا نواجه أي تصعيد أو امتداد للصراع إلى المنطقة بأكملها، فسنواجه عواقب وخيمة”، مضيفًا أن المخاطر تتراوح بين ارتفاع أسعار الطاقة مما يؤدي إلى التضخم، إلى انخفاض الأسعار.
لومير الذي ذكّر بآثار الحرب الروسية الأوكرانية “التي كانت سببا أساسيا في زيادة التضخم”، قال “لدينا حاليا خطر جيوسياسي ثالث هو خطر اتساع النزاع في إسرائيل إلى المنطقة ككل، وهذا الخطر يعد خطرا أساسيا على الاقتصاد العالمي”، مشيرا إلى أن عواقب النزاع في الشرق الأوسط ستكون “ثقيلة” على النمو وأسعار الطاقة في العالم.
وعبّر العديد من المشاركين في اجتماع زعماء مالية مجموعة السبع في المغرب عن قلقهم إزاء الصراع وتأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي، وفقا لتصريحات وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي.
صدمة اقتصادية
وإذا كان رئيس بنك التسويات الدولية، أوجستين كارستنز، يرى أنّ “من السابق لأوانه استقراء” الكيفية التي سيؤثر بها ذلك الصراع على الاقتصاد العالمي، فإن جيمي ديمون رئيس بنك “جيه بي مورجان” قال إنه التصعيد في فلسطين “له تأثيرات بعيدة المدى على أسواق الطاقة والغذاء، والتجارة العالمية، والعلاقات الجيوسياسية، وقد يكون هذا هو أخطر وقت شهده العالم منذ عقود”، مشيرا إلى أن المديرين التنفيذيين للبنوك الأمريكية يشعرون بالقلق جراء هذا الأمر.
وقال رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، في تصريحات لوكالة “رويترز”، إن الصراع بين إسرائيل وغزة “مأساة إنسانية وصدمة اقتصادية لا نريدها” وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة إذا انتشر، بعدما كانت قد “بدأت تشعر ببعض الثقة بوجود فرصة لتحقيق خفض ناعم للتضخم”.
وقال راي داليو، وهو مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم “بريدجووتر أسوشيتس”، إن هذه الحرب تنطوي على مخاطر كبيرة، وربما تؤدي إلى صراعات أخرى من أنواع مختلفة في مناطق أخرى، وقد تنتشر إلى ما وراء حدود البلدين وتخلف عواقب بعيدة المدى على المجتمع العالمي بأكمله.
من جهتها، حذرت كريستالينا جورجييفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، من “سحابة غائمة تضرب الاقتصاد العالمي”، فقد شكلت الحرب القائمة حاليا في غزة “عاملا آخر للغموض الاقتصادي العالمي”، إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية، على حد تعبيرها. وأضافت أن “كل يوم إضافي (في الصراع) يحمل تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي”.
فيما قالت نائبتها جيتا جوبيناث، إن العالم يواجه “عددًا كبيرًا من الصدمات” بما في ذلك الصراع في الشرق الأوسط وتداعياته المحتملة على أسعار الطاقة، مضيفةً أن “الديون وصلت إلى مستويات قياسية وفي الوقت نفسه، نحن في بيئة أسعار الفائدة الأعلى على المدى الطويل لذا يمكن أن تسوء الأمور”.
ولن تكون الولايات المتحدة، التي تعد أقوى اقتصادٍ في العالم بمأمن، إذ قالت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إن الوضع في إسرائيل يثير مخاوف إضافية على الاقتصاد الأمريكي. وأضافت خلال مؤتمر صحفي، أنها لا تزال تتوقع تباطؤا للاقتصاد الأمريكي لا يصل إلى حد الركود، على الرغم من أن التصعيد في غزة أثار مخاطر إضافية.
سيناريوهات التصعيد
وحصرت “بلومبرغ إيكونوميكس” التأثير المحتمل على النمو العالمي والتضخم في ظل 3 سيناريوهات: في الحالة الأولى؛ تبقى المواجهات محصورة في غزة وإسرائيل، وفي الثانية يمتد الصراع إلى دول مجاورة مثل لبنان وسوريا، وقد أُطلِقت صواريخ بالفعل من الجبهتين تجاه إسرائيل، والثالث ينطوي على التصعيد إلى صراع عسكري مباشر بين إسرائيل وإيران التي كثفت تحذيراتها لإسرائيل عقب اندلاع عملية “طوفان الأقصى”.
وفي كل هذه الحالات، سيكون الاتجاه هو نفسه: ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو، ولكن الحجم سيختلف، فكلما اتسع نطاق الصراع، أصبح تأثيره عالميا وليس إقليميا، وهو ما حذرت منه رئيسة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا، التي قالت إن “هناك عدم يقين بشأن احتمالات امتداد الصراع إلى المنطقة بأكملها، مما قد يؤثر كثيرا على النمو الاقتصادي العالمي”.
خنق التجارة
وأضافت أن العنف في الشرق الأوسط قد يزيد من العوامل التي تخنق نمو التجارة، وستعزز من عوامل ضعف التجارة الحاصلة نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وسوق العقارات الصينية المتأزمة والحرب الروسية في أوكرانيا، معربة عن أملها “أن ينتهي الأمر لأنه يتسبب في حالة عدم اليقين هذه، إنه سحابة مظلمة أخرى في الأفق”.
وخفضت المنظمة الأسبوع الماضي توقعاتها لنمو تجارة السلع العالمية هذا العام إلى النصف، مستندة إلى استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وبطء نمو الاقتصاد الصيني والحرب في أوكرانيا. وقالت إن حجم تجارة البضائع سينمو 0.8% فقط عام 2023، مقارنة مع تقديراتها في أبريل الماضي التي بلغت 1.7 بالمئة. أما بالنسبة للعام 2024، فقالت إن نمو تجارة السلع قد يسجل 3.3 بالمئة دون تغيير تقريبا عن تقديراتها في أبريل الماضي التي بلغت 3.2 بالمئة.
وإثر تزايد حالة عدم اليقين السياسي في أنحاء المنطقة، سجلت أسعار الذهب أكبر مكاسب أسبوعية، إذ صعد بنسبة 3.2 بالمئة، ليصل لمستوى 1929 دولارا للأوقية (الأونصة)، كما قفزت أسعار النفط الخام في ختام تعاملات الأسبوع بنحو 5 دولارات للبرميل الواحد للعقود الآجلة ليصل إلى نحو 91 دولارا للبرميل.