في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية الاستثنائية، تسعى الدولة المصرية بكافة مؤسساتها لتعزيز صمود اقتصادها من خلال إصلاحات جادة.
ويشهد الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة تحسناً ملحوظاً، حيث ظهرت عدة مؤشرات إيجابية تؤكد على نجاح السياسات الإصلاحية التي اتبعتها الحكومة المصرية في مواجهة التحديات الاقتصادية.
هذا التحسن يتزامن مع المراجعة التي يقوم بها صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري في إطار التعاون المستمر بين الجانبين. في هذا التقرير، سنتناول أبرز المؤشرات التي تعكس هذا التعافي، مثل تحسن التصنيف الائتماني، وزيادة الاحتياطي النقدي، ونمو الاستثمارات الأجنبية، والتقارير الاقتصادية المطمئنة من قبل المؤسسات المالية الدولية.
تحسن التصنيف الائتماني
من أبرز العلامات الإيجابية، على تعافي الاقتصاد المصري هو تحسن التصنيف الائتماني الذي أعلنت عنه وكالات التصنيف الدولية مثل “فيتش” و”ستاندرد أند بورز” و”موديز”. ففي خطوة هامة، رفعت وكالة “فيتش” تصنيف مصر الائتماني لأول مرة منذ عام 2019، حيث تم تعديل التصنيف من “B-” إلى “B” مع نظرة مستقبلية مستقرة. وجاء هذا التحسن مدعومًا بزيادة الاستثمارات الأجنبية، وخاصة من صفقة “رأس الحكمة” التي ساهمت في تعزيز احتياطات النقد الأجنبي.
في الوقت نفسه، أبقت وكالة “ستاندرد آند بورز” على نظرتها المستقبلية الإيجابية للاقتصاد المصري، بعد اتخاذ الحكومة المصرية مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الملموسة، مثل تحرير سعر الصرف. هذه الإصلاحات، إلى جانب تدفقات النقد الأجنبي، عززت من الثقة في استقرار الاقتصاد المصري.
أيضًا، وكالة موديز توقعت نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5% في العام المالي 2026، لكنها خفضت توقعاتها للنمو في العام المالي الحالي إلى 4% بسبب التحديات الاقتصادية القائمة. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن التضخم في مصر سيبدأ في الانخفاض في العام المالي المقبل، حيث يُتوقع أن يتراجع إلى 16% بعد أن كان 27.5% في العام المالي الحالي، وأنه سينخفض أكثر ليصل إلى 13% بحلول عام 2026.
من جهة أخرى، أكدت موديز أن استقرار الظروف الاقتصادية والتمويلية في مصر يسهم في دعم جودة الائتمان للحكومة والشركات في أسواق المال الناشئة خلال عام 2025.
نمو الاحتياطيات وتقليص الدين
شهدت مصر تحسناً ملحوظاً في احتياطي النقد الأجنبي، حيث ارتفع الاحتياطي إلى 46.7 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2024، وهو ما يعكس تحسن قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. هذا التحسن الكبير جاء بفضل عدة إجراءات، منها صفقة رأس الحكمة التي أدت إلى زيادة كبيرة في احتياطي النقد الأجنبي، فضلاً عن انخفاض الدين الخارجي بحوالي 15 مليار دولار خلال العام الماضي.
كما ساعدت هذه الإجراءات في تقليص العجز في صافي الأصول الأجنبية، ليحقق فائضًا بلغ 10.3 مليار دولار في سبتمبر 2024، بعد أن كان العجز في بداية العام نحو 17.6 مليار دولار. هذه المؤشرات تعتبر دليلاً على تحسن قدرة مصر في إدارة ديونها وتوسيع قاعدة احتياطاتها.
تحسن معدلات التضخم والعجز المالي
على الرغم من التحديات الاقتصادية، تباطأ معدل التضخم في مصر بشكل ملحوظ، ليصل إلى 26.4% في سبتمبر 2024، بعد أن كان 27.5% في العام السابق. وهذا التباطؤ في التضخم يعد مؤشراً إيجابياً على فعالية السياسات الاقتصادية التي تم اتخاذها لضبط الأوضاع المالية.
من جهة أخرى، شهد العجز الكلي في الموازنة العامة تحسناً، حيث تراجع إلى 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2023-2024، مقارنة بنسبة العجز التي كانت تبلغ 13.7% في عام 2013/2014. هذا التحسن الكبير يعكس التزام الحكومة المصرية بسياسات ضبط الميزانية وتحقيق الاستقرار المالي.
نمو الاستثمارات الأجنبية والتحويلات
شهدت مصر زيادة كبيرة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي قفزت بنسبة 75.8% مقارنة مع دول شمال إفريقيا. بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر نحو 10 مليارات دولار خلال العام المالي 2022-2023، وهو ما يعد خطوة هامة نحو تحقيق الاستدامة الاقتصادية.
كما شهدت تحويلات المصريين العاملين في الخارج زيادة كبيرة بلغت 61.4%، حيث سجلت نحو 7.5 مليار دولار في الفترة من أبريل إلى يونيو 2024، مقارنة بـ 4.6 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2023. هذا النمو في التحويلات يعد من المؤشرات الإيجابية التي تدل على استقرار الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات الخارجية.
على الرغم من التحديات العالمية، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز نمو الاقتصاد المصري 4.1% في عام 2024، وهو ما يتماشى مع التوقعات الحكومية التي أشارت إلى أن النمو الاقتصادي سيصل إلى 4.2% في نفس العام. هذا النمو جاء بفضل السياسة الاقتصادية التي تركز على الإصلاحات الهيكلية، وزيادة الاستثمارات، وتوسيع قاعدة الإنتاج.
سياسة الإصلاح وتطوير القطاع المالي
شهدت مصر تحسنًا ملحوظًا في العديد من القطاعات الاقتصادية نتيجة للجهود المستمرة في تطبيق الإصلاحات المالية والهيكلية. قامت الحكومة المصرية بتوسيع قاعدة الإيرادات الضريبية من خلال إصلاحات ضريبية أسهمت في زيادة الإيرادات بنسبة 40.2% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، كما ارتفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 45% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
كذلك، تم تقليص أعباء الدين بنسبة 5% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، مما ساعد في تقليل الضغط على المالية العامة. هذا التحسن في السياسة المالية يعكس نجاح مصر في تقليل الفجوة المالية وتحقيق استدامة مالية.
التوقعات المستقبلية
وفقًا للتوقعات العالمية، من المتوقع أن يواصل الاقتصاد المصري نموه خلال السنوات المقبلة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 4.1% في عام 2025، مع تحسن مستمر في مؤشرات الاقتصاد الكلي. هذه التوقعات تدعمها الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، وتوسيع الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الصادرات.
تستمر الحكومة المصرية في تعزيز البيئة الاستثمارية من خلال تعديل سياسات الاستثمار، مما يعزز من قدرات الاقتصاد المصري على التوسع في المستقبل.
إجمالًا، يُظهر الاقتصاد المصري مجموعة من المؤشرات الإيجابية التي تدل على نجاح السياسات الإصلاحية، والقدرة على التكيف مع التحديات الاقتصادية العالمية. ويتوقع الخبراء أن يشهد الاقتصاد المصري مزيدًا من التعافي والنمو في السنوات المقبلة، مع استمرار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والتحسن في أداء المؤسسات المالية، وتزايد الاستثمارات الأجنبية.