بدأت ثمار قرار البنك المركزي الذي اتخذه منذ أسابيع بشأن تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف وصفقة رأس الحكمة التي ضخت 35 مليار دولار في الخزينة المصرية وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 8 مليار دولار وتقديم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي حزمة تمويلات إلى مصر بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار تؤتي أكلها حيث ساهمت هذه الأموال في توفير سيولة دولارية ساعدت بدورها في توافر السلع بالسوق المحلي وبالتالي استقرار وتراجع الأسعار.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المناطق الحضرية تراجع إلى 33.3% في مارس الماضي مقابل 35.7% في فبراير وجاءت بيانات التضخم أفضل من التوقعات بفضل تكيف الأسعار مع خفض قيمة العملة وتوفير السيولة الدولارية حيث انخفضت أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 0.3% ومجموعة الخضراوات بنسبة 3.5% ومجموعة الأمتعة الشخصية بنسبة 4.1%.
وبفضل قرارات البنك المركزي بتوحيد سعر الصرف والقضاء وتدبير الدولار لكافة العمليات الاستيرادية للخامات ومستلزمات الإنتاج شهدت أسعار السلع الأساسية انخفاضات كبيرة بنسب تتراوح من 5% إلى 25% مقارنة بأسعارها قبل التعويم، حيث تراجعت أسعار بعض أصناف الزيوت بنسبة تصل إلى 19% وانخفضت أسعار الأرز بنسبة 23% وأسعار المكرونة بنسبة تتراوح بين 10 إلي 23% وذلك بالتزامن مع هبوط سعر الدقيق كما تراجعت أسعار الفول بنسبة تتراوح بين 15 إلي 25% وأسعار العدس بنسبة 25% كذلك هبطت أسعار اللبن السائب في الأسواق بحوالي 3 جنيهات وتراجعت أسعار التونة في الأسواق بنسبة 23%.
وانخفضت أسعار الخضار والفواكه بشكل ملحوظ حيث تراجعت أسعار الجزر والطماطم والخيار كذلك انخفضت أسعار الأسماك والدواجن بنسب وصلت إلى 20% كذلك خفضت بعض شركات ومصانع الأجهزة الكهربائية سعر المصنع بنسبة 10% فضلًا عن انتهاء ظاهرة الأوفر برايس والتي كانت تمثل نسبة زيادة عن سعر المصنع بنسبة تتراوح بين 15 و30% أي أن متوسط الانخفاض في أسعار الأجهزة الكهربائية وصل إلى 30% كما شهدت أسعار الحديد والإسمنت والجبس انخفاضًا كبيرًا وصل إلى أكثر من 40%.
وبفضل القرارات الجريئة التي تم اتخاذها من قبل الدولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية تم الإفراج عن بضائع بقيمة 21 مليار دولار منذ بداية العام الحالي منها بضائع بقيمة 8 مليار دولار منذ 10 مارس حتى 10 أبريل منهم 2 مليار دولار سلع مواد غذائية ومنتجات طبية وأدوية حيث تركز الحكومة على المنتجات الغذائية والدواء ومشتقات الإنتاج والأعلاف وكل ما يؤثر على البيت المصري .
وساهم تحرير سعر الصرف واختفاء السوق السوداء في تراجع كبير في أسعار السيارات واختفاء ظاهرة الأوفر برايس حيث ذكرت رابطة تجار السيارات بالغرفة التجارية أن نسبة انخفاض أسعار السيارات الجديدة المستوردة بلغت 20% والسيارات الجديدة المجمعة محليًا 25% وبلغ تراجع أسعار السيارات موديل 2024 نحو 600 ألف جنيه .
وخلال الأسابيع الماضية التي أعقبت قرار التعويم عادت تحويلات المصريين بالخارج تدريجيًا إلى معدلاتها خاصة في ظل عدم وجود فارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء التي طالما التهمت الحجم الأكبر من أموال المصريين في الخارج بعيدًا عن القطاع المصرفي الرسمي، الأمر الذي تسبب في تراجع تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 21.2% لتصل إلى 9.4 مليار دولار خلال النصف الأول من السنة المالية 2023-2024 مقابل 12 مليار دولار في الفترة نفسها قبل عام.
من إيجابيات تعويم الجنيه وتوحيد سعر الصرف في السوق أيضًا ما حدث من تنازلات عن العملات الأجنبية حيث كان الحجم الأكبر من نصيب عملات الدولار الأمريكي واليورو والريال السعودي .
ويقول الدكتور مصطفى بدره الخبير الاقتصادي أن تحرير سعر الصرف كان له مفعول السحر في القضاء على السوق الموازية وتراجع أسعار الكثير من السلع بنسب تراوحت بين 20% إلى 30%، متوقعًا أن يستمر ذلك مع تدفق سيولة دولارية كبيرة إلى البلاد منها 35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة واتفاق صندوق النقد الدولي على قرض بـ9.2 مليار دولار منقسمين إلى 8 مليار من الصندوق و1.2 مليار دولار من صندوق إعادة الإعمار إضافة إلى 10 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي لافتًا إلى أن الدولة تعمل بوتيرة سريعة للإفراج الجمركي عن المنتجات الأمر الذي سيساهم في استمرار تراجع الأسعار.
ويقول الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي أن مجلس الوزراء حدد 1.3 مليار دولار لإدخال السلع الاستراتيجية من الجمارك وإعفاء بعض السلع من الرسوم وهذه محاولة لمعالجة التضخم وغلاء الأسعار المستمر، مشيرًا إلى أن نزول الأسعار لن يحدث سريعًا لأن بعض التجار قاموا بشراء السلع بأسعار مرتفعة ومع دخول السلع الجديدة سيحدث بالتدريج انخفاضًا في الأسعار لافتًا إلى أن صفقة رأس الحكمة أدت لانخفاض سعر الدولار والذهب وهذا يعكس بداية حل الأزمة الاقتصادية وبداية القضاء على السوق السوداء للدولار.
وأوضح جاب الله أن ما يحدث في الأسواق الآن هو السيطرة على الأسعار من خلال عدد من المبادرات والجهود للدولة المصرية، مؤكدًا أن الاضطراب في الأسواق بدأ يتلاشى بعد السيطرة على أسعار الصرف وبدأت الأسعار في التراجع حيث أن الإجراءات الخاصة بالحكومة بخصوص السلع الاستراتيجية ساهمت في ضبط السوق وإن كان المواطنون غير راضيين عن معدلات التراجع في أسعار السلع حتى الآن متوقعًا تراجع تدريجي للأسعار خلال الفترة المقبلة بفضل الإفراجات عن البضائع في الموانئ وتغطية السوق بالمنتجات .