جددت مصر الإشارة إلى أنها تتحمل فوق طاقتها باستضافتها نحو عشرة ملايين أجنبي، في ظل التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، وتأثر اقتصاد البلاد بها.
جاء ذلك على لسان وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، بدر عبد العاطي الذي قال في مؤتمر مشترك مع نظيره الإسباني، خوسيه مانويل الباريس، إن مصر تتحمل أعباء جسيمة جراء استضافة 10 ملايين أجنبي، معربا عن تطلعه لمزيد من الدعم من الأصدقاء في القارة الأوروبية، حتى تتعامل مصر مع أعباء استضافة هذا العدد الكبير من الضيوف.
وسبق أن أكد الوزير عبد العاطي أن “هناك حداً أقصى يمكن أن نتحمله، ولا نستطيع الاستمرار ما لم يكن هناك دعم كامل من المجتمع الدولي، وفي مقدمته الاتحاد الأوروبي”.
وطالما عبّرت مصر عن حاجتها إلى المزيد من الدعم الدولي، خصوصا مع زيادة تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أراضيها، حيث قدر رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، التكلفة المباشرة لاستضافة هؤلاء اللاجئين، بأكثر من 10 مليارات دولار سنويا.
وقال مدبولي “نحن لا نسمي الوافدين إلينا لاجئين. لدينا 9 ملايين وافد من المنطقة العربية والدول الأفريقية بسبب الحالة الأمنية في تلك البلدان، والتكلفة لاستضافة 9 ملايين لاجئ في مصر تصل إلى أكثر 10 مليارات دولار سنويا وبالطبع نتحمل هذه التكلفة كحكومة على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر”.
حصر دقيق
بدأت الحكومة قبل أشهر، في إجراء حصر دقيق للوافدين والمقيمين واللاجئين مع منحهم فرصة لتسجيل بياناتهم بالجهات الرسمية، لاستخراج “بطاقة التسجيل” التي سيتم بموجبها الاستمرار في تقديم الخدمات ضمن خطة الدولة لحصر جميع الأجانب المقيمين داخل البلاد.
وتُقدر المنظمة الدولية للهجرة في تقرير صدر أغسطس 2022، أعداد المهاجرين الذين يعيشون في مصر بـ 9 ملايين شخص من 133 دولة.
ويُشكل السودانيون العدد الأكبر بنحو 4 ملايين، يليهم السوريون 1.5 مليون، واليمنيون بنحو مليون والليبيون مليون. كما تمثل الجنسيات الأربع 80 بالمئة من المهاجرين المقيمين حاليا في البلاد، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
في المقابل، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير صدر عنها يناير الماضي، إن مصر تستضيف نحو 480 ألف لاجئ وطالب لجوء من 62 دولة في عام 2023 بزيادة 64 بالمئة عن عام 2022.
وفي مايو الماضي، تحدّث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الضغط الذي يشكله “الضيوف”، على الموارد المصرية المحدودة، ضاربا المثل بالمياه، قائلا إنهم “يستهلكون مياها تصل إلى 4.5 مليار متر سنويا، إذا ما تم احتساب متوسط استهلاك المياه في مصر بنحو 500 متر”، وهو ما عدّه “عبئاً كبيراً”.
وبحسب تصريحات رسمية لوزارة الري والموراد المائية، تستضيف مصر 9 مليون لاجئ يشكلون 8.70 % من إجمالى السكان ، وهو ما يعنى الاحتياج إلى 9 مليار متر مكعب سنويا لتغطية الاحتياجات المائية لهذا العدد الضخم أو على الاقل 4.50 مليار متر مكعب سنويا لتغطية احتياجاتهم المائية عند خط الشح المائى.
يبلغ عدد السكان في مصر أكثر من 105 مليون نسمة بنسبة زيادة سنوية (2 -2.50 %) ، ويبلغ نصيب الفرد من المياه 564 متر مكعب سنويا وهو ما يقترب من خط الشح المائى ، وتبلغ موارد مصر المائية حوالى 59.60 مليار متر مكعب سنويا ، مع إعادة استخدام حوالى 21 مليار متر مكعب سنويا من المياه ، واستيراد منتجات غذائية من الخارج لتعويض الفجوة بين الموارد والاحتياجات المائية ، كما يؤثر تغير المناخ على قطاع المياه فى مصر بشكل سلبى مثل ما شهدناه فى الصيف الماضى من موجات الحرارة العالية وتناقص كميات الأمطار، وفقا للوزارة.
وأشارت الوزارة إلى أن نقص مليار متر مكعب “واحد” من المياه سنويا فى مصر سينتج عنه فقدان 290 ألف إنسان لمصادر الدخل ، وفقدان 130 ألف فدان من الأراضى الزراعية، وزيادة فى الاستيراد من الخارج بقيمة 150 مليون دولار.
مساعدات وتمويلات
أقرّ الاتحاد الأوروبي في أبريل الماضي حزمة مساعدات لمصر بلغت نحو 8 مليارات دولار، خلال القمة المصرية الأوروبية التي انعقدت يوم الأحد 17 مارس بالقاهرة، من بينها قروضا ميسرة بقيمة 5 مليارات يورو واستثمارات إضافية بقيمة 1.8 مليار يورو إضافة إلى منحة بقيمة 600 مليون يورو.
ولا يعد مبلغ الـ10 مليارات دولار، الذي قدره رئيس الوزراء، إجمالي تكلفة المقيمين في مصر، وفقا لتصريحات النائبة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، سهام مصطفى، التي أوضحت في تصريحات صحفية أن “رئيس الوزراء تحدث عن التكلفة المباشرة فقط، لكن ثمة تكاليف غير مباشرة لم تحتسب أو تقدر بعد”.
المستشار محمد الحمصانى المتحدث باسم مجلس الوزراء، قال إن رقم 10 مليارات دولار الذي أعلن عنه رئيس الوزراء “يشمل ما تتحمله الدولة من أعباء فى عدة قطاعات”.
وقال الحمصاني إن هذا الرقم سيتم استخدامه لتبيان تلك الأعباء أو الرقم الإجمالى فى التواصل مع الجهات الدولية المانحة والشركاء الدوليين لاطلاعهم على الأعباء التى تتحملها مصر فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، وفى ضوء ذلك لا بد أن يساهم المجتمع الدولى فى تحمل ولو جزء لدعم مصر فى مواجهة تلك الأعباء .
ويرى السفير صلاح حليمة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الدعم المالي الذي تحصل عليه مصر من المجتمع الدولي لا يتناسب مع الأعداد التي تستضيفها على أراضيها.
وبالتالي “من حق مصر أن تطالب المجتمع الدولي بالمساهمة في تكلفة استضافة اللاجئين” وفقا لرئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، محمد العرابي، الذي يشدد في تصريحات صحفية على أن مصر “تعاملت مع ملف اللاجئين بمنهج أخلاقي وإنساني، دون استغلال سياسي، لذلك يجب على المجتمع الدولي تقديم مساعدات مباشرة في هذا الملف”.
أعباء ثقيلة
ازدادت أعباء الحكومة المالية في توفير الخدمات الأساسية للأجانب على أراضيها، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، في ظل ارتفاع معدلات التضخم على خلفية تراجع سعر الجنيه أمام الدولار، وتراجع إيراد قناة السويس والسياحة؛ بسبب تداعيات حرب غزة.
وكان معدل التضخم في البلاد يتجه نحو الانخفاض من ذروته البالغة 38.0 بالمئة في سبتمبر 2023، لكنه ارتفع على نحو غير متوقع في شهري أغسطس وسبتمبر، فقد ارتفع إلى 26.2 بالمئة في أغسطس ثم إلى 26.4 بالمئة في سبتمبر.
ومع زيادة تدفق اللاجئين إلى مصر، ارتفعت أسعار العقارات في البلاد، وقد اقترح طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، فرض رسوم على الضيوف الأجانب الذين يستأجرون العقارات في مصر.
وقال شكري في تصريحات تليفزيونية، إن الزيادة في أسعار العقارات تعود بشكل رئيسي إلى قانون العرض والطلب، مشيرًا إلى أن التغيرات في سعر الصرف والتضخم والعوامل الخارجية الأخرى أثرت على الأسعار بشكل عام، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الوحدات السكنية وقيمة إيجاراتها.
وأضاف أنه يجب على الدولة فرض رسوم ضريبية على الضيوف الذين يستأجرون الوحدات السكنية، مع إجراء إحصاء شامل لعدد الضيوف المقيمين من خلال هذه الوحدات.
وخلال الأشهر الماضية، انتشرت مطالبات على مواقع التواصل في مصر، بترحيل اللاجئين والمهاجرين من البلاد، بدعوى أنهم سبب تفاقم تكلفة المعيشة.
في حين أن منظمة الهجرة كانت قد أفادت في تقرير سابق بأن أكثر من ثلثي المهاجرين يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، ما يشير إلى أن المهاجرين في مصر يساهمون على نحو إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المصري.
ويعتبر السوريون الذين يشكلون 17% من المهاجرين أكثر المساهمين في سوق العمل والاقتصاد المصري؛ إذ يقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري، على سبيل المثال، بنحو مليار دولار، وفقا للمنظمة.